مصطلح صليبى وحقيقته التاريخية
ان مصطلح " الحملة الصليبية ".. قد أوقع كثيرين من الكتاب والمؤرخين فى شباك الترجمة عن الأوربيين ، وبدأوا يستخدمون مصطلح " صليبى " و " حملة صليبية " و " حروب صليبية " فى حين كان أسلافهم من المؤرخين والمعاصرين لهذه الحروب يستخدمون مصطلح " الفرنج " و " حركة الفرنج ".. ووجه الخطورة فى هذا المصطلح عندما يستخدم فى اللغة العربية أنه يوحى أن الحركة كانت حركة دينية ، ترتبط بالصليب رمز المسيحية ولا يضعها فى اطارها الصحيح باعتباره مغامرة استيطانية متعصبة .
من ناحية أخرى هذا المصطلح يظلم المسيحيين الشرقيين الذين عانى قسم كبير منهم من وحشية الفرنج وعدوانهم .
لقد بدأت هذه الحركة فى السابع والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1095 بالخطبة التى ألقاها
" أربان الثانى " فى جنوب فرنسا وهى الدعوة لحملة الى فلسطين ، وهذا كان بمثابة اذن الدخول الى التاريخ ، واستمرت هذه الحمالات على مدى الفترة ما بين أواخر 1096 الى سنة 1291 .
ومن المهم أن نشير الى أن الرجال الذين قاموا بالحملة الصلبية الأولى لم يستخدموا مصطلح صليبى أو الصلبيين اذ لم يحدث سوى فى أواخر القرن الثانى عشر ميلادى أن ظهرت الكلمة اللاتنية " crusesignati " ومعناها " الموسوم بالصليب " لكى تعبر عن الصلبيين لأنهم كانو يخيطون صلبان القماش على ستراتهم ، وبدأت هذه الممارسات عقب خطبة " أربان الثانى " فى كليرمون جنوب فرنسا ( أن أراد أحد أن يأتى ورائى .. فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ) .. اذ أسرع الفرنج بمجرد سماع هذه الكلمات يخيطون الصليب على الكتف الأيمن لعباءتهم قائلين أنهم جميعا سوف يقتفون أثر خطوات المسيح .
وفى بداية الأمر كان من يشاركون فى الحملة يوصفون بأنهم حجاج ، وغالبا ماستخدمت كلمة " peregrinotio " ومعناها " رحلة الحج " التى كانت شائعة تماما فى الفترة الأولى ، وكان هناك عبارات أخرى مثل الرحلة الى الأرض المقدسة والحرب المقدسة وكذلك مصطلحات
أخرى مثل " الحملة العامة " ، أو مشروع يسوع المسيح ، ومما يلفت النظر أن جميع مؤلفاتهم خلت من ذكر كلمة " الصليبين " أو " الحملة الصليبية ".
ومن المهم أن نشير أن الكلمة الإنجليزية " Crusader" ومعناها " صليبى " قد عرفت فى القرن الثامن عشر فقط ، بعد أن كان البحث التاريخى فى الحروب الصليبية قد مضى شوطا كبير
فمنذ بدأ " توماس فوللر " الاتجليزى فى القرن السابع عشر أول دراسة باللغة الانجليزية
حول الحروب الصليبية فى كتابه " تاريخ الحروب المقدسة " .
وعلى الرغم من الفشل النهائى الذى منيت به الحروب الصليبية الا أن المثال الصليبى تحول بمرور الوقت – تحت تأثير وسائل الاعلام – التى عملت فى خدمة الأهداف الاستعمارية الأوربية
الى مثال براق يوحى بالشجاعة والتضحية بالنفس فى سبيل المثل الأعلى .
ورسخ هذا المفهوم فى الوجدان الشعبى الأوربى والأمريكى بأن الحملة الصلبية بالضرورة حملة نبيلة وخيرة المقصد والهدف .
ان هذا الموروث الذى حملته الأغانى االشعبية عن الحروب الصلبية كان وراء هذه الصورة الأخاذة التى ترسم فى أذهان عامة الناس فى أوربا وأميركا ، وكانت تعويض نفسى عن حقيقة التاريخ وتفسير شعبى لتلك الظاهرة التى كانت تمثل حلم من أحلام الفقراء فى ذلك الوقت .
وفى الأدبيات العربية التى تناولت تاريخ الحركة الصليبية نجد مفارقة مدهشة ، فعلى الرغم من أن المؤرخين المسلمين الذين عاصروا الهجوم الصليبى على المنطقة العربية التى تناولت الحدث مثل " ابن شداد القلنسانى " " والعماد الأصفهانى " وغيرهم ، لم يستخدموا أبدا مصطلحات مثل " صليبى " أو " الحملة الصليبية " ، وانما تكلموا عن ذلك بعبارات مثل " الفرنج " و حركة الفرنج " .. وتظل هذه التسمية سائدة لديهم حتى القرن العاشر الهجرى ( الخامس والسادس عشر الميلادى ) .
وبعد انتهاء الكيان الصليبى فى العقد الأخير من القرن السابع الهجرى ( الثالث عشر الميلادى )
وتتوقف حركة البحث التاريخى فى الوطن العربى لفترة طويلة بسبب التخلف والركود الثقافى حتى القرن التاسع عشر الميلادى ، وعندما بدأت حركة النهوض الثقافى مرة أخرى لم تنج الدراسة التاريخية العربية من تأثير الفكر الأوربى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق