ثقافة وابداع
السبت، 3 مايو 2014
الوحي الأمريكي (2) قصة الارتباط البناء بين أمريكا والإخوان
من موقع كتبى
الوحي الأمريكي (2)
قصة الارتباط البناء بين أمريكا والإخوان
في الباب الأول من الكتاب الهام المثير (الوحي الأمريكي) استعرض المؤلف الصحفي المعروف "عبدالعظيم حماد" ف
صولا من تاريخ العلاقة بين أمريكا والصهيونية، كشف فيها كيف أن التحيز الأمريكي المسبق الذي يعمل لصالح إسرائيل ليس تأييدا مبنيا على أسباب انتخابية أو مجرد أثر من أثار عمل اللوبي الصهيوني في أمريكا كما يتوهم الكثيرون. لكن الأمر يعود إلى وشائج ثقافية تاريخية لا تنفصم، فالسياسيون الأمريكيون – كما يقول "حماد" – يتبنون في معظمهم الرؤية التوراتية الدينية حول إسرائيل، ثم يليها في الأهمية الرؤية الاستراتيجية السياسية. بل وكان قيام اسرائيل هو حلم النخبة الأمريكية البروتستانتية منذ البداية.
في الباب الثاني – وعبر فصلين موازيين لوجوه العلاقة بين أمريكا والصهيونية – يستعرض وجوه العلاقة التاريخية بين أمريكا والإسلام السياسي. وهو يتناول هذه العلاقة من منظور كل طرف : أمريكا والإسلام السياسي.
فيخصص الفصل الأول – من هذا الباب الثاني - بعنوان "مصرع الخنزير الأحمر" ليحلل المنظور الأمريكي لتاريخ هذه العلاقة. ويخصص الفصل الثاني بعنوان "التحالف الصليبي الجاهلي" ليوضح تقلبات هذه العلاقة من منظور الإسلام السياسي نفسه. و"هذا المنهج مع منطقيته وضرورته التحليلية، هو الذي سوف يرينا كم تغيرت أفكار ومواقف وسياسات كل طرف من طرفي العلاقة، وهو الذي سيثبت لنا أن هذا التغيير إنما جاء ملبيا لشروط ومصالح الطرف الأقوى، أي الولايات المتحدة".
وهو يرى أنه "مثلما ورث العالم الجديد (الأمريكي) عن أبائه في العالم القديم (الأوربي) أفكاره ومعتقداته عن اليهود وفلسطين، وأصبح صهيونيا قبل أن تظهر الصهيونية، فإن هذا العالم الجديد ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية ورث أيضا كل الأفكار السلبية عن الإسلام والمسلمين من أسلافه الأوربيين، وكان هؤلاء محكومين في نظرتهم للإسلام بذكريات حروب استرداد الأندلس، والحروب الصليبية، والصراع مع الإمبراطورية التركية العثمانية في شرق أوربا، وحوض البحر المتوسط".
وقد انتجت مواريث الكراهية الثقافية هذه نظرية "هنتنجتون" عن "صراع الحضارات"، والتي اعتمدت كإطار فكري لتعامل أمريكا مع الإسلام السياسي خلال إدارة بوش الابن. لكن بدء من كلينتون ثم أوباما سادت نظرية أخرى هي "نهاية التاريخ" التي بشر بها "فرانسيس فوكوياما" الأمريكي من أصل ياباني. وكانت نفس نظرية "نهاية التاريخ" قبل ظهورها واضحة في سلوك إدارة بيل كلينتون تحت عنوان "العولمة". وقد أصبحت الإطار الفكري المباشر للتعامل السياسي الأمريكي مع الإسلام السياسي في إدارة أوباما "ومن ثم كإطار نظري لاستراتيجية الارتباط البناء مع الاخوان المسلمين".
وخلاصة هذه النظرية أن الانتصار الأمريكي على اشتراكية الاتحاد السوفياتي يعني أن الديموقراطية الليبرالية هي نهاية التطور التاريخي لنظم الحكم. ومن ثم فإنه محكوم على كل المجتمعات والنظم البشرية أن تسير باتجاه دمج الأسواق المحلية في السوق العالمي الأمريكي اقتصاديا، وأن تسعى – سياسيا – نحو الحكم عبر نظام الديموقراطية الليبرالية مهما كانت العقبات والعثرات التي تنهض في طريقها:
"وعليه فليس المسلمون استثناءا من هذا التطور الحتمي، الأمر الذي يعني أن على الولايات المتحدة أن تشجع انخراط الإسلام السياسي في هذه القيم العالمية التي تتجمع تحت عنوان الديموقراطية الليبرالية".
وبداية من نظرية "عنق اليابس" التي ظهرت في بداية القرن العشرين مع بدء العلاقات الأمريكية بالمنطقة العربية واستهدفت السيطرة الأمريكية على طرق الملاحة والتجارة الدولية، إلى الحرب العالمية الأولى التي شهدت أول احتكاك أمريكي قوي بالمنطقة - تلقى العرب في ترتيبات ما بعد هذه الحرب لطمتين كبريين: الأولى في معاهدة فرساي، وهي إقرار وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين، وتضمينه صك انتداب بريطانيا على فلسطين. أما الثانية فقد كانت إعلان "ويلسون" أن مبدأ حق تقرير المصير الذي كان "أيقونه مبادئة الأربعة عشر لترتيب عالم ما بعد الحرب" لا ينطبق على مصر، وقد كانت مصر تسعى وقتها للخلاص من الاستعمار البريطاني.
وخلال تقلبات الأوضاع وصولا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية تطور مساران جديدان للوجود الأمريكي في المنطقة العربية: الأول هو تصفية الاستعمار التقليدي (الانجليزي الفرنسي) ووراثة نفوذه. والثاني هو السيطرة التدريجية على منابع النفط العربي. و"لتصب جميع هذه المسارات فيما بعد في مسار أضخم وأكثر صخبا، وهو مقاومة الانتشار الشيوعي، وهذه هي المحطة التي استضافت أول وأطول لقاء بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية".
الخنزير الأحمر
في بداية الخمسينيات "صدر كتابان مريبان في القاهرة، قيل إنهما صادران من السفارة السوفيتية، ليتبين فيما بعد أن المخابرات الأمريكية هي التي أصدرتهما، وكان الأول بعنوان "محمد لم يوجد قط"، والثاني بعنوان "أضرار الصوم في رمضان".
وفي هذه الحرب الدعائية أطلق الأمريكيون ما سمي باسم برنامج "الخنزير الأحمر" حيث تظهر شخصية سينمائية كرتونية في صورة خنزير يرتدي شعار "النجم الأحمر الشيوعي"، ويحاول افتراس رجل اسمه "الدين"، ليلقى الخنزير مصرعه في النهاية على يد "الدين"!.
ولم تكن المعركة ضد السوفيات كلها بمثل هذه الفجاجة الإعلامية المخابراتية. فقد وجدت أمريكا أنه من الضروري توظيف الإسلام السياسي في المعركة ضد الشيوعية، وهو ما نراه بقوة في "تقارير السفير الأمريكي في القاهرة (جيفرسون كافري) الناصحة بقوة بالتحالف مع الإسلام السياسي، ممثلا في الإخوان المسلمين في مكافحة امتداد الشيوعية إلى العالم الإسلامي".
ولا تذكر المصادر الأمريكية حديثا عن لقاء بين مسئولين أمريكيين ورموز من تيار الإسلام السياسي قبل عام 1943 "عندما ألتقى الدبلوماسي الشاب هيرمان آليتس بالشيخ البنا المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين في مصر في منزل الشيخ محمد سرور صبحان وكيل وزارة المالية السعودية في جدة. دون ترتيب مسبق كما يقول آليتس نفسه. لكنه يؤكد أنه كان يعرف أن البنا يتردد على جدة، وعلى الشيخ صبحان بالذات للحصول على دعم مالي لجماعته، وصبحان كان "عبدا" من أصل سوداني أعتق لنباهته، وتضلعه في شئون المال".
وبناء على هذه العلاقة بين الجماعة والمملكة "نستطيع أن نعتبر لقاء الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالملك عبدالعزيز آل سعود عام 1944 لقاء على مستوى القمة بين أمريكا والإسلام السياسي بمعنى من المعاني".
لكن في سنة 1953، وفي المكتب البيضاوي للبيت الأبيض، يلتقي الرئيس الأمريكي "دوايت إيزنهاور" بالدكتور سعيد رمضان، عضو مكتب الإرشاد الإخواني وزوج ابنة الشيخ حسن البنا، وساعده الأيمن، وقد كان بمثابة سفير متجول باسم الجماعة. وقد قرب الرئيس الأمريكي "سعيد رمضان" والتقط معه الصور، بناء على نصيحة "كافري" سفيره في مصر الذي كتب يقول:
"إن الإخوان المسلمين في مصر، وحلفائهم في جماعة الإسلام بباكستان يمكن أن يكونوا حلفاء جيدين ضد الشيوعية، وضد حركة القومية العربية ذات المنحى اليساري كحزب البعث".
ويلاحظ "روبرت دريفوس" في صدد تقييمه للدور الأمريكي في إطلاق الأصولية الإسلامية أن "تقارير السفير الأمريكي حول جماعة الإخوان في ذلك الوقت، لم تتطرق إطلاقا لأعمال العنف التي قامت بها الجماعة داخل مصر، وكانت قد اغتالت قاضيا، ورئيسا للحكومة ضمن أعمال عنف أخرى..وهذا لا يعني إلا أن الأمريكان كانوا يعتبرون هذه المسألة ثانوية، أو أنها لا تعنيهم، مادام العنف موجها ضد أهداف داخلية، وبعبارة أخرى ليس موجها ضد أمريكا ذاتها".
وفي نفس سياق الصناعة الأمريكية للأصولية الإسلامية كان الأمريكان يبحثون عن حليف قوي (مستبد مستنير) يصلح مرتكزا صلبا للسياسة الأمريكية في المنطقة. وكان "مايلز كوبلاند" – مؤلف كتاب لعبة الأمم – يتزعم تيارا يحبذ إسناد الدور لعبدالناصر (الذي اتضح فيما بعد رفضه القيام بهذا الدور). وكان التيار الآخر الذي انتصر "يفضل ملك السعودية ملكا لكل الإسلام".
هذه الخطة التي كان يرعاها الرئيس "آيزنهاور" نفسه كانت بحاجة إلى "روافع" أصولية للملك السعودي إلى جانب الإمكانيات المالية الجبارة لمملكته النفطية وحيازته السلطة على الحرمين الشريفين. وكانت جماعة الاخوان المسلمين في مصر أحد هذه الروافع المهمة للأصولية في المنطقة.
ويستعين المؤلف بما ورد من تفاصيل مهمة لتعاون المخابرات الأمريكية والبريطانية مع الاخوان المسلمين ضد جمال عبدالناصر، من كتاب "النوم مع الشيطان" للكاتب الأمريكي "روبرت باير":
"ومن بين ما يقوله إن محادثات جرت بين البريطانيين والاخوان المسلمين في جنيف عقب قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس 1956 للاتفاق معهم على تولي الحكم في مصر بعد إسقاط ناصر بغزو عسكري، وهو ما لم يحدث لفشل العدوان الثلاثي".
الشيوعية هي الصهيونية!
لكن – يتساءل المؤلف في حيرة – "لم يتوقف أحد هنا ليسأل هل لا توجد أية حجية على الإطلاق لمقولة أن الخطر على العرب ليس الاتحاد السوفياتي البعيد، ولا الشيوعية غير المرحب بها قوميا ودينيا، وإنما الخطر الداهم والأقرب هو إسرائيل والصهيونية؟".
هنا، كان لابد أن يخترع الإسلام السياسي مقولة عجيبة، "مقولة أن الشيوعية هي الصهيونية، وأنهما معا مؤامرة يهودية للقضاء على الأديان والسيطرة على العالم، وكان ذلك خداعا مريحا للنفس".
إن "هنري كيسنجر" – وزير الخارجية الأمريكية – يكتب في مذكراته مندهشا من محاولة الملك السعودي "فيصل" إقناعه بهذه "النظرية المتأسلمة" (والتعبير من عندي وليس من عند المؤلف). في حين كان "هنري كيسنجر" نفسه صهيونيا!، "وكذلك كان الكثير من زملائه وأغلبية الرأي العام في بلاده، ولكن لا الملك فيصل اقتنع، ولا الاخوان المسلمون اقتنعوا بالفصل بين الشيوعية والصهيونية"!.
وبعد رحيل الزعيم "جمال عبدالناصر" أتى "السادات" الذي كان "يكره الشيوعية وكان محكوما بعقيدة أن.. الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على حل مشكلة الشرق الأوسط". واتسع المجال لصفقة بين نظام السادات والاخوان المسلمين في مواجهة الخطر الشيوعي في المنطقة العربية كما في أفغانستان. مهندس هذه الصفقة كان "كمال أدهم" رئيس المخابرات السعودية وصديق السادات وشريكه في عدة أعمال:
"وكان مقتضى هذه الصفقة – كما يقول روبرت دريفوس – أن لا يستخدم الاخوان العنف في داخل مصر، وأن لا تتصل بهم واشنطن من وراء ظهر السادات، وهو ما تعهد به هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية للسادات في أول لقاء بينهما بعد حرب اكتوبر".
وقبل اغتيال "أنور السادات" كان قد دخل طرفا في أكبر تعاون مع السعودية والولايات المتحدة لرعاية الجهاد الإسلامي بعد غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. وهي الصفقة التي لايزال يفخر بها "بريزنيسكي" وزير خارجية الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" حتى اليوم:
"شئل بريزنيسكي: هل تندم على التحالف السري مع الإسلاميين في أفغانستان؟ فأجاب: أندم..على ماذا؟!! لقد كان هذا التحالف فكرة ممتازة، فأيهما اهم في تاريخ العالم؟ مجيء طالبان؟ أم انهيار الإمبراطورية السوفياتية؟ بعض المسلمين المهتاجين أم تحرير أوربا الوسطى وانتهاء الحرب الباردة؟".
ويفسر المؤلف أسباب "الهياج الإسلامي" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ لم يعد للإسلام السياسي أي دور في الاستراتيجيات الأمريكية عبر نظامها العالمي الجديد. وأثار زهو سلوك النصر الأمريكي بعد هذا الانهيار المفاجئ للسوفيات تيارات الإسلامي السياسي. وكان انطلاق الحملة البحرية الأمريكية لغزو الصومال بقرار إنفرادي من بوش هي اللحظة الفارقة التي أيقن فيها المتأسلمون من "خيانة أمريكا".
"هنا فقط ثبت للإسلاميين أيضا أن الصهيونية ليست هي الشيوعية، وأن الشيوعية ليست هي الصهيونية، ولكن الأوان كان قد فات".
التحالف الصليبي الجاهلي
"الحديث عن الصليبية الجديدة هو حيلة نفسية ابتكرها بعض الإسلاميين، ممن كانوا حلفاء أمريكا والغرب في الماضي ضد الشيوعية، للانتقام من خيانة أمريكا لهم بعد هزيمة الشيوعية، ولحفظ توازنهم النفسي والأخلاقي بعد ثبوت زيف مقولة أن الصهيونية والشيوعية شيء واحد، وإن انتهاء الشيوعية سيؤدي إلى هزيمة الصهيونية تلقائيا"!.
يبدأ المؤلف "عبدالعظيم حماد" تحليله للدوافع العميقة لمواقف الأصولية السياسية في العالم الإسلامي من خلال الغوص التاريخي إلى حقبة مواجهة الاستعمار الأوربي: "فلا جدال أن كل ما حدث في العالم الإسلامي من تطور فكري، وحركات إصلاح، منذ القرن التاسع عشر على الأقل كان بمثابة استجابة للتحدي المتمثل في الاستعمار والهيمنة الأوربية، ثم الأمريكية".
أما الوضع الحضاري للمسلمين في هذه الآونة، حين جاءهم الاحتلال الأوربي، فيجمله المؤلف من خلال استعارة مطولة لعبارات المفكر "عباس محمود العقاد" التي يصف فيها مفارقة "إفراط المسلمين في الثقة بأنفسهم، وإفراطهم في سوء الظن بالأمم الأوربية وكل ما يأتي من نحوها، حتى أوشكوا أن يوقنوا أنها لا تأتيهم يوما بشيء يحتاجون إليه".
وكما يقول العقاد فإن هذا الشعور قد لا يضير الأمم في أوقات صعودها، أما في أوقات التخلف والتدهور الحضاري، فإن الشعور بالاستغناء عن التعلم، وافتقاد الرغبة في اكتشاف أسرار قوة الآخر، تؤدي إلى عواقب وخيمة. و"من هنا ظهرت حركات الإصلاح السياسي الإسلامي من أرضية الدفاع..الدفاع فقط، وما كان ممكنا سوى ذلك".
وقد اتخذ هذا الموقف الدفاعي عدة خيارات، من بينها: محاولة اللحاق بركب الحضارة الغربية، وتمثلها محاولة "محمد علي" في مصر والسلطان العثماني "محمود". والنهضة الداخلية الشاملة باتجاهات التعليم العام والحكم الديموقراطي والنهضة الاقتصادية والحوار الحضاري، وهي المجهودات التي يمثلها الإمام "محمد عبده". ومن بينها كذلك الانغماس بقوة في الفكر العروبي والوعي القومي والمقاومة السياسية للاحتلال الأجنبي وهو الاتجاه الذي بلغ ذروته بمرحلة الثورات العربية والعالمية للتحرر الوطني.
أخيرا، ومن بين هذه الخيارات، كان الخيار الأصولي بالعودة إلى تقاليد السلف الصالح، وفي القلب منها فكرة الجهاد، واستعادة الخلافة العظمى. وهو الطريق الذي اختاره "حسن البنا" لكنه:
"تحول به من دعوة وإحياء فكري إلى تنظيم جماهيري مغلق وشبه عسكري، يسعى إلى السلطة السياسية، ويرفض بقوة إلى حد العنف كل الأفكار الحديثة من ديموقراطية، وحزبية، وقومية، واشتراكية، وصراع طبقي، وتحليل اجتماعي، بل ويتهم كل من يدعو إلى أي من هذه الأفكار بالخروج على الإسلام، أو على الأقل بأنه "مستلب" لمصلحة المستعمر الغربي"!.
وقد كان ذلك على المستوى الفكري، لكن وعلى مستوى السياسة العملية، كان "حسن البنا" – للمفارقة الملتبسة – لا يمانع في الاتصال بأي قوى غربية وعلى الأخص بريطانيا والولايات المتحدة.
وقد انتهت تطورات الأحداث في نهاية القرن العشرين، وبعد تاريخ طويل من "التعاون البناء" بين الأصولية وجماعة الإخوان والولايات المتحدة في مواجهة الشيوعية، انتهاء بسقوط الاتحاد السوفياتي، إلى أن يتخذ "الرد الأصولي" على الهيمنة الأمريكية الحالية ثلاثة أشكال:
الأول هو الشكل الجهادي العنيف الذي تزعمه "أسامة بن لادن" وهو يرى أمريكا "رأس الكفر" و"قائد الصليبية" و"الشيطان الأكبر". والثاني هو شكل جهادي أيضا لكنه يقصر الجهاد على فلسطين ويمثله حماس والجهاد الفلسطيني وحزب الله اللبناني. والثالث – وهو ما تبناه التنظيم الإخواني الدولي ونظّر له مفكروه منذ نهاية التسعينيات – "التفاهم على التعاون البناء مع الغرب وقيمه الديموقراطية مع هدنة طويلة الأجل حول إسرائيل".
نظرية الترابي
جلس الترابي على مائدة مستديرة يوم 10 مايو 1992 في واشنطن جمعته بمفكرين ودبلوماسيين وسياسيين أمريكيين، حيث قدم رؤية الإخوان المسلمين لقضايا الديموقراطية والدولة الوطنية والعلاقة مع الغرب والموقف من إسرائيل. قال:
"إن التساؤلات حول الموقف الإسلامي من القضية الفلسطينية لا يمكن تناولها إلا في عموميات، فالإسلاميون يشعرون بارتباط عميق مع الفلسطينيين، ولكن ليس أمامهم الكثير ليفعلوه على المدى القصير..وفيما يتعلق بالحل الممكن فإنه يتعين على الإسلاميين أن لا يعلنوا موقفا محددا، ولذا يستطيعون الاستمساك بمبدأ أن طرد الفلسطينيين من أرضهم عمل غير مشروع".
وما قاله الترابي كان هو نفسه ما قاله "موسى أبو مرزوق" و"اسماعيل أبو شنب" القياديين بحركة حماس عام 1998، بعد ست سنوات تقريبا من مائدة الترابي، حيث قال الأول: "نحن لا نوافق على حل الدولتين باعتباره حلا نهائيا، لأنه يعني إقامة فلسطين على جزء من أراضيها، وليس على كامل فلسطين التاريخية، التي هي أرض إسلامية وليس من حق احد التنازل عنها في أية صيغة لحل وسط، ولكننا حين نقبل قيام دولة على جزء من هذه الأرض حاليا فإننا نترك بقية الأمر للأجيال القادمة".
ولا يعني ذلك أنه لم تعد موجودة داخل دهاليز تيارات الإسلام السياسي هذه النظرة إلى التفاهم مع الولايات المتحدة حول بقاء إسرائيل باعتباره خيانة لصحيح الإسلام. ومن بين أصحاب هذه النظرة الرئيس الاخواني السابق "محمد مرسي" الذي تحدث في خطاب عام ذات مرة عن أبناء القردة والخنازير، والمرشد الاخواني "محمد بديع". غير أن هؤلاء نظروا – أخيرا - إلى "الارتباط البناء" وسياسة التصالح مع الولايات المتحدة حول إسرائيل باعتبارها "سياسة عملية صرفة، سينفضون أيديهم منها، بعد التمكين لهم في جميع الدول الإسلامية طبقا لنظرية الترابي..وهكذا يعودون إلى التراث الخالد لجماعتهم".
إنه نفس التفكير الساذج الذي يشبه فكرتهم عن أن الشيوعية هي الصهيونية. و"يعودون مرة أخرى إلى التفرقة بين ما هو عملي، وما هو "عقدي" في موقف الإسلام السياسي من الولايات المتحدة الأمريكية وريثة الاستعمار، وراعية المشروع الصهيوني، وكأنهم ضمنوا التحكم بنسبة مئة في المئة في ديناميكيات العلاقة مع الغرب، وأن الآخرين في إسرائيل وأوربا والولايات المتحدة ليسوا واعين لهذه الخطة، وسيتركونهم يقيموا دولة الخلافة، لتمحو إسرائيل، وتفرض استاذيتها على العالم"!
تقريبا هي النفس القصة الانتهازية الخطرة تتكرر من جديد وكما تكررت عبر تاريخهم: "حاولوا استخدام الملك فاروق، ولكنه هو الذي استخدمهم ضد الوفد، وحاولوا استخدام أمريكا ضد جمال عبدالناصر، فاستخدمتهم ضد القومية، وضد الشيوعية، ثم تخلت عنهم..حاولوا استخدام جعفر النميري في السودان فاستخدمهم ضد الجميع".
- يتبع -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رسالة أحدث
رسالة أقدم
الصفحة الرئيسية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق