الأربعاء، 10 يونيو 2009

وداوِنى بالتى كانت هى الداءُ

يسرى فودة.. نقلا عن جريدة اليوم السابع
بين هؤلاء الذين يعلنون بداية نهاية البشرية، وأولئك الذين يستخفون بهم،
وبين هؤلاء الذين يلعنون الحكومة المصرية على مذبحة الخنازير، وأولئك الذين يشكرونها، يضيع كثير من الحقائق، ويضيع التناول العاقل الذى يحفظ المجتمع من حالات الفزع والاضطراب.

يعود هذا فى أساسه إما إلى نقص الحقائق والمعلومات، أو إلى الفشل فى إيصال ما هو متاح من حقائق ومعلومات، أو إلى مزيج من كليهما معاً. هذا المقال يحاول الإسهام فى سد هذه الثغرة.

حتى كتابة هذه السطور أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 29 دولة، أعلنت رسمياً إصابة ما مجموعه 4379 شخصاً بأنفلونزا الخنازير المعروفة علمياً باسم H1N1. وما نلاحظه لأول وهلة فى تقرير المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، هو خلو قائمة الدول المصابة من اسم مصر، ربما لأنه لا توجد فعلاً حالات مصابة فى مصر، وربما لأننا نعلم بها لكننا لم نعلن عنها رسمياً أمام العالم، وربما لأنها موجودة ولا يعلم بها أحد. هذه الاحتمالات الثلاثة لا رابع لها، اللهم إلا احتمال أنه تم الإعلان «سراً» عن حدوث إصابات فى مصر.

الملاحظة الثانية، أن معظم الإصابات والوفيات لم يعد متركزاً فقط فى المكسيك، منبع المرض، التى بلغ فيها عدد المصابين حتى وقت كتابة هذه السطور 1626 حالة، تم إثباتها معملياً (ومن شبه المؤكد أن ثمة حالات أخرى لم تُثبت معملياً بعد)، وأن هذه الحالات مات منها حتى الآن 45 شخصاً (وهو رقم مرشح للصعود فى كل لحظة)، أى بنسبة أكبر من 2.7 فى المائة. ولأن المكسيك دولة فقيرة، تنتمى إلى دول العالم الثالث، فإن من «حسن الحظ« أن الدولة التى تحتل الصدارة الآن من حيث عدد الإصابات هى الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى دولة فى العالم، بعدد إصابات بلغ حتى وقت كتابة هذه السطور 2254 حالة؛ إذ إن اللافت للنظر أنه لم يمت من هذه الحالات حتى الآن سوى حالتين اثنتين، أى بنسبة أقل من 0.09 فى المائة فقط. وهناك دولتان أخريان متقدمتان ،بلغ عدد الإصابات فى إحداهما 280 حالة (كندا) لم يمت منهم سوى شخص واحد، وفى الأخرى 93 حالة (إسبانيا) لم يمت منهم أحد، أى أن نسبة الوفيات صفر فى المائة.

بعبارة أخرى، إذا طبقنا نظرية النسبة والتناسب، كان لا بد أن يموت حتى هذه اللحظة فى أمريكا أكثر من 62 شخصاً، وفى كندا أكثر من سبعة أشخاص. هذا التفاوت الضخم فى نسبة الوفيات بين العالم المتقدم من ناحية والعالم المتخلف من ناحية أخرى، سيصيب البعض لدينا بالإحباط وربما أيضاً بالقلق من احتمال انتشار المرض فى بلادنا، لا قدّر الله، باعتبار تشابه ظروفنا مع المكسيك أكثر من تشابهها مع أمريكا أو كندا، لكنه فى الوقت نفسه يفتح أمام البشرية باباً واسعاً للتفاؤل. يعود هذا إلى عدة أسباب، لكنه يعود أولاً ببساطة إلى الفارق فى مستويات مجموعة من المفاهيم الحاسمة، على رأسها: العلم والوعى والصراحة، وهى أسباب فى مجملها يمكن الأخذ بها، وليست حكراً على أمريكا أو كندا.

أمامنا فى هذا الإطار مجموعة من الحقائق لا بد أن نكون على وعى بها. أولاً، إن هذا نوع من الإنفلونزا فى غاية العدوى، يصيب الجهاز التنفسى للخنازير، ويحدث هذا عادةً فى نهاية الخريف وبداية الشتاء حين تتراوح نسبة الإصابة فى القطيع من 1 % إلى 4 %. ثانياً، يزيد شغف العلماء بنوع الجرثوم المسبب لهذا النوع من الإنفلونزا، نظراً لما لدى الخنازير من قدرة على الاحتفاظ فى أجسادها بجراثيم متنوعة، تزيد من صعوبة الفصل بينها، كما تزيد من سهولة تداول الجينات بين هذه الجراثيم، وهو ما يمنحها شراسة وقدرة عالية على الانتشار.

ومن المعروف أن جراثيم الأنفلونزا تتكون عادةً من ثمانية جينات، تحتوى النسخة الحالية منها على ستة جينات من ذلك النوع المنتشر فى أمريكا الشمالية، واثنين لهما تاريخ مع الخنازير الأوروبية والآسيوية.


هناك تعليق واحد:

  1. موضوع جميل جدا

    بس نفسنا ان نفتح هذا الملف كملف اساسى حتى يتكون المصل

    نريد كل الاخبار
    وفى علمك دخلت انفلونزا الخنازير مصر

    وشكرا

    ردحذف