الجمعة، 16 نوفمبر 2012

فى ذكرى شوفى عبد الحكيم " من ذكريات معتقل سياسى "







من ذكريات
معتقل سياسى
يقول القاص  المعروف عصام الزهيرى تعليقا على كتاب وشهادة  المناضل صليب ابراهيم
" من ذكريات معتفل سياسى " الذى خصص الكاتب فيه جزء هام لصديق دربه
ونضاله " شوقى عبد الحكيم " والذى اعتقل على اصر زيارة مع المناضل يوسف حجازى للمولف صليب ابراهيم بمعتقل الهيايكستب .

ما أهمية أن يكتب سجين سياسي ذكريات اعتقاله بعد مرور ما يقرب من الخمسين عاما على فترة سجنه (1959)؟
في مقدمة كتابه "من ذكريات معتقل سياسي" الصادر حديثا على نفقة المؤلف يروى "صليب ابراهيم" حادثة أو دافع نشر الكتاب. ويتضح للقارئ من صفحتي المقدمة القصيرة أن دافع تدوين تجربة الاعتقال القديمة هو أن نصف القرن الذي أصبح يفصل بين السجين وبين سجنه لم ينجح في محو التجربة القاسية من ذاكرته، لم يفلح مرور الزمن في أن يجعل من صورها ومشاهدها مادة ذاكرة لا تستدعي نفسها بنفسها ولا تقحم مشاهدها على السياق اليومي لعقل وتفكير صاحبها. والقارئ في هذه الحالة في مواجهة شهادة معذبة لتجربة أليمة ووثيقة إدانة من ضحية لجلاديها وصرخة معاناة من استبداد دموي ترك أثاره الوحشية على أجساد وعقول ونفوس ضحاياه لأكثر من نصف قرن من الزمان .

ولا تخلوا هذه الفترة من بعض الطرائف رغم سودويتها يذكر عن اعتقال شوقى عبد الحكيم .
" الكاتب شوقى عبد الحكيم وصديقه يوسف حجازى اعتقلا فى حملة مارس 1959 ، ومن الطريف
انه عند اعتقال شوقى من بلدته مركز سنورس لم يجدوه لانه كان يعمل بمدينة القاهرة ، فعتقل والده
الاستاذ عبد الحكيم هلال  الناظر بالتربية والتعليم بالفيوم حتى يسلم ابنه نفسه ويفرج عنه  وضبته ومعه شوال من كتب من مكتبته الخاصه
والاطرف من ذلك انه قد اعتقل شقيق الاستاذ يوسف حجازى اسمه محمود وهو فلاح امى لا يقرء ولا يعرف
اى شئ الا الزراعة الارض ، وقال له والد شوقى  عبد الحكيم اثناء ركوب سيارة الشرطة : -
انا ظبطونى بشوال كتب ، وانت يامحمود ظبطوا عندك ايه نخله ولا شجرة ؟

ذكرى زميل وصديق مناضل
الكاتب شوقى عبد الحكيم
تحت هذا العنوان الفرعى فى كتاب من ذكريات معتقل سياسى للأستاذ صليب ابراهيم يقول :
هنالك وفى الحياة أصدقاء وضعوا بصمة واضحة فى مسيرة حياتهم ، ويصبح فى عداد شخصيات لا تنسى
ويذكرهم التاريخ بماضيهم وكفاحهم وشرف كلمتهم ... فالإنسان المناضل بعد رحيله وبعد ان قال كلمته ومضى
يترك تاريخ للاجيال التى ترد بعده وتكون هادية ومرشدة لمرحلة كفاح ونضال كان الثمن فيها غاليا وكانت التضحيات ترسم طريقا مضيئا وتخط أملا واعيا للمستقبل . وكان من هؤلاء الشرفاء.. الزميل والكاتب المسرحى ،
وعالم الاثنوجرافيا والمناضل بالكلمة والقصة والمسرحية والمقال شوقى عبد الحكيم
وللزميل شوقى حياة طويلة " 69 عام " عريضة فى دروب الحياة والفكر من مواليد مدينة القيوم1934 .

وفى مطلع شبابه اتجه الى البحث ودراسة العديد من السير والملاحم وسافر الى اقصى الصعيدو الى الوجه البحرى
مسجلا مدققا لكل فنون الفلاحين وارائهم واقوالهم  ، وكان اول كتاب له " ادب الفلاحين " كتب مقدمته الدكتور
مصطفى مشرفة .
وكانت من أجمل دراسته فى صباه ايضا والتى عاصرت كتاباتها وهو فى مقتبل العمر ، هم العوالم واهل المزازك والفن الشعبى فى محافظة الفيوم .
فقد سجل حياتهم وعاداتهم وتقاليدم فى دراسة دراسة فنية واقعية تبين احوال قطاع كبير من حياة فئة بعض المهمشين فى الدنيا ن وسار على الدرب الغمرى والبحثى فكتب وبحث ودقق ، وكانت حصيلة كتبه اكثر من اربعين كتاب طبعت بمصر وبيروت .
وتحتوى موسوة الفلطلوى والاساطير العربة ، وكتب ايضا 18 مسرحية مستلهمة من التراث الشعبى
منه شفيقة ومتولى ، والمستخبى ، وحسن ونعيمة ، وخوفو ، والشبابيك ، والاعيان ، ومولد الملك معروف ،
واكازيون ، رمسيس وغيرها .. وصدرت له العديد من الرويات مثل احزان نوح ، دم ابن يعقوب ، والموت والتفاهة
والضحك الدمامة ، ، وساتيكورن  عربيةاو هجائيات عربية  ، وبيروت البكاء ليلا
.
ترجم له عملان الى الانجليزية هما : الاميرة ذات الهمة ، وبيروت البكاء ليلا ، واعد له باليه شعبى من ثلاثة فصول لفرقة رضا للفنون الشعبية .
بدا شوقى عبد الحكيم العمل 1962 محررا ادبيا بجريدة الاهرام ونشر بها بعض النصوص المسرحية التى عثر عليها فى محافظة الفيوم من ماسى ومرتجالات ، ثم التحق بجريدة الاخبار عام 1964
وفى عام 1978 يافر الى بيروت ومكث بها خمس سنوات وشاهد الاجتياح الاسرائيلى للبنان وكانت قصته الرائعة بيروت البكاء ليلا .
انتقل الى لندن بعد ذلك  واستمر هناك حتى عام 1989 وعمل اثنائها فى الصحف العربية ، وقام بتحقيق الملاحم والسير الشعبية مثل الزير سالم ، وسيرة بنى هلال ، وعنترة ، والاميرة دات الهمة  اطول سيرة عربية فى التاريخ
تبدأ السيرة تاريخياَ في عصر عبد الملك بن مروان (65-86هـ)، أزهى عصور الخلافة الأموية، وتستمر حتى نهاية عهد الخليفة العباسي الواثق بالله (227-232هـ). وهي تؤرخ تأريخاً شعبياَ للصراع الذي دار بين العرب والروم، الذي عرف باسم حرب الثغور على حدود الدولتين.
واعتمدفى تحقيقه على مخطوطة بالمتحف ابريطانى تقه فى 8 اجزاء وتصل صفحاتها الى اكثر من
20 الف صفحة .
وفى يواته الخيرة بدا يكتب مقلاته فى صحيفة الاهرام كل يوم احد تحت عنوان " تراث وماثورات "
تم تكريمه فى الدورة الوحيدة التى اقيمت فى مصر تحت عنوان الملتقى العربى .
كما تم تكريمه فى الدورة الخامسة لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى .
" رواية احزان نوح عملت مسلسل تلفزيونى بطولة عبد الله غيث ، ومسيرحية شفيقة ومتولى
عملت فيلم اخراج على بدرخان وبطولة احمد زكى وسعاد حسنى "

ومن مدوناته التى كانت عن الجمل  رمز الصبر والمشاق
جمل المحامل
جمل المحامل برك       وكان حاله الاعود وسند
يقولك يابدر خدنى معاك   وانا اكتب لك حجاب وسند
يقوللو لقيت الكون         ملقتش صدر حنين وسند
يفوت الاعود على الجمل   يقوللو يامهابيل نقول ونطول
شئ من سوء بخت الجمل   جاله الاهود وسند

للكاتب \شوقى عبد الحكيم
واسمه دراسات فى التراث الشعبى والكاتب هنا قد بذل الكثير من الجهد لكى يجمع بعض من هذا التراث الشيق الذى لا يعوض واليكم بعض منها التى اعجبتنى وارجوا ان تحوز على اعجابكم ايضا

منين اجيب صبر يغنينى على بعدك
ياللى هجرت المنام والفرش من بعدك
وبياع الصبر حرم بيعه من بعدك
واذا كان على الصبر عندى مية مركب ملانه صبر
وانا باسمع منادى ينادى كل يوم العصر
ياللى كواك الزمان اصبر على وعدك
= = = = =
قالوا الصبر ياعين جعلوه للابطال
ولو كان دوايا عند حبيبى دا كان ينطال
الا دوايا عند خصمى ما عاد ينطال
= = = = =
ارقد على الشوك عريان واضحك للى عادانى
واصبر على حكم الايام حتى ينعدل زمانى

تجميع = الاستاذ\ شوقى عبد الحكيم
من كتابه \ دراسات فى التراث الشعبى

الخميس، 15 نوفمبر 2012

حق الدوا .. على مين ؟ شوقى عبد الحكيم





حق الدوا .. على مين ؟
يتكلم الكاتب والباحث التراثى  شوقى عبد الحكيم عن نفسه ، وعن رحلته فى جمع التراث ، والحكايات ، والمأثورات ، والمواويل
ليحكى لنا حكاية تراثية من أفواه الناس ، معبره عن الأحوال  لاجتماعية فى هذا الوقت المبكر من  منتصف القرن 19
ونتركه ليتحدث عن نفسه ..

فى  تلك الأيام الخوالى كنت أسعى لجمع ماثوراتى من أفواه الناس أينما وجدوا داخل أعماق الأسواق من تجار بهائم
.. جمال وحمير يمتطوها مشتريها ليجربوها ويتعرفوا عطبها على طول الطرق الغير ممهده ، وقد يختفى بعضهم
بالحمار عن الأنظار متخذا طريقه الى كفره او عذبته ، ويظل صاحب الركوبة منتظر عودته ومن حوله يطمنوه
- اصبر يابو فلان . كل واحد حريص على قرشه .

الى ان تحواط المخاوف صاحب الحمار وتدب مدوية فى قلبه بأسى
فيضرب كف بكف
-                                                                 عليه العوض ومنه العوض 
-                                                                 - يعوض عليك

الا انه يصرخ من حرقته :
انا مقبلش العوض
أجل ... فالعوض تابو ... مرفوض

كنت أسعى لجمع مأثوراتى وموادى الجمعية الشفاهية بكل اشتهاء، متعرفا أماكنها ، حتى داخل المقابر وأضرحة
المشايخ والأولياء، وعند عيون المياه الراكده ، وحيث مضارب البدو والغوازى والحلبية التى استحالت الى حلبسه

كنت أقوم من نومى مفلوقا مع مطلع النهار بدلا من التوجه الى المدرسة ، أقنع صديقى ومساعدى بالتوجه الى كفر معين أو عزبة أو احدى الهوارات أو وحده معينة من الزرابى الفقيرة – جمع زربى – رغم ثراء الطبيعة وعطائها
فى الارض المشجرة كمثل غابة عميقة الازدهار والاخضرار .
وفى مطلع ذلك النهار كنت كمثل الصياد يتعرف مكمن فرائصه قلت لمرافقى :
-                                                                 نروح عزبة الاصفر
-                                                                 - لصفر .. ودى فيعا حاجه .. د كفر
-                                                                  أقنعته خلال الطريق لملتوى ميمنه وميسره .. كحكاوى الليل الاستطرادية
-                                                                 -  نشوف ياحربى  
-                                                                 -  نشوف
-                                                                 ما ان شرفنا على العزبة ، حتى هالنا سحب الدخان من الجرجوب والجلة وبقايا الشجرالمتحجر الذى يستخدوه فى الطبيخ

وبالفعل بطننا كركبت من روائح الاطبخة المتصاعدة من داخل الدور الطينية الواطئة ، وعرفت من فورى
ان اليوم يوم سوق البلدة
طابخين  

حططنا رحالنا أمام  مصطبة  بيت تساقط جيره التركوازى ، وعلى الفور تجمع حولنا صبية وبنات ونساء عجائز
حملن الينا الماء البارد وفى أعقابه كوبيات الشاى ثلاث ادوار تفوح برائحة النعناع
-                                                                 انتوا اغراب ؟
-                                                                 - أجل
-                                                                 -  عايزين  حاجه ؟
-                                                                  
- ايوه .
- الموجود .

تقاربت ورؤسهن فى تندم وهن يهمسن من حولنا .
ائلين ... شحاتين .. على باب الله .
تسائل حربى صاحبى
امال فين الرجالة ؟
- فى سوق الخميس والعيطان
ثم اوضح لهن وكان ماهر فى التقاط لغوهن وتعبيرهن  بما يضفى الاطمئنان الكافى ، ليتحلقن حجولنا
من كل صوب على المصطبة  المفروشة بالحصر الملونة .
قال باننا لسنا شحاتين ولا سائلين او طالبى حسانات ، والحسنة الوحيدة التى نطلبها مجرد الاستماع الى حكايتهن
وامثالهن وندبهن ، فهذا هو عملنا . قال
- كارنا
- حودجيه ... يعنى
قلت
يعنى .. اى حاجه
تسألن اكثر
- زى ايه ؟
قلنا
- اى حاجه بتحصل . غنوه .. سهراية .. حدوة ندب .
- ندب ... تبقوا مباحث
- ابدا .. ابدا
قلت احدهن وكانت موشومة الوجه والساعدين
- تكنوش بياعين كلام .
قلت
- احنا بنشترى
هنا تساءلن مطولا وارتفعت اصواتهن فى نفس واح
- ام مقبلة مفيش غيرها .. شايله كثير .. واعره
- مافيش غيرها فى العزبة .. عارفه كل حاجه .. شعر ندب يقطع القلب .
وجكت لى احدهن حكاياتها
- يابنى دى ماكنتش كده  .. كانت بحبوحه وصييته .. صوتها يجيب من اخر الدنيا
صوتها حلو وكانت تحنن فى الحج .. ومافيش زفة لعروسة ولا مظاهر ما تزفوش
قلت : بفلوس
قالوا : ابدا .. ابدا دى هى كده بحبوحه .. ماتحبش النكد ابدا ولا الندب
- امل ايه اللى حصل ؟
 عاد وفد من بنات وصبيان العزبة ليعلنوا فى احباط
- مش راضية تيجى
- ليه
اصلها قلبت على ندابة من يوم ما .
انتصبت واقفا مقررا الذهاب اليها . إلا ان النساء اقنعنى لا جدوى للمشوار فهى مقطوعة لا تحداث احد
بعد اللى حصل
- ايه اللى  حصل
وحكت لى المراة المسنة حاملة الوشم حكايتها :
-  يابنى دى كانت ماتبطلش ضحك ولا نوادر حلوه ، غنا ، فرفشة ، قبل اللى حصل . قبل ابنها اليتيم
اللى كانت بتربيه ما يموت .
حل صمت  مفاجئ عم الجميع حتى الاطفال الصعار :
اصل ابنها جالو .. العيى .. مرض ومسكوا ورقد طريح الفرن سنين
                                  صمت
ولما بعتنا جبنالوا حكيم من المدينة .
وميل عليه وكشف
بصلنا واحنا حواليه وقال :

--  حق الدوا على مين  ؟

وسمعه ابنها العليل عيط وطق مات
ساعتها جاءت ام مقبلة .. تدب بعكازها منشده :

أم طق العليل مات

ابنى ..
من قولة :

حق الدوا على مين ؟

كان شوقى عبد الحكيم يكرر هذه المقولة بستمرار
طق العليل مات
لما الطبيب سأل :
حق الدوا على مين


الجمعة، 9 نوفمبر 2012

مسرح شوقى عبد الحكيم بين الاصالة والمعاصرة بقلم : يحى حقى







مسرح شوقى عبد الحكيم
بين الاصالة والمعاصرة
بقلم : يحى حقى

ولا ننا مازلنا مع البدايات للكاتب شوقى عبد الحكيم والتى كان اكبر اهدافها م " من اجل مسرح مصرى اصيل
فقد اخترت لها بعد- اذن القراء- مقدمة الاستاذ يحى حقى المنشورة  للمجموعة المسرحية  " ملك عجوز ومسرحيات اخرى فى سلسلة المسرح المعاصر ، وايضا دراسة لاحد الباحثين استفزته كلمة الاستاذ يحيى حقى
يقول الاستاذ يحيى حقى : مع ملاحظة رقة وجمال قلم الرائع يحى حقى صاحب القنديل

خير وصف عندى لصديقى شوقى عب الحكيم هو انه عاشق لادب الفلاحين، بكل مافى عنفوان العشق من تسامح سخى مع المحبوب ، ، وتحيز متعصب له ، فى ان واحد ، لا يتكلف هذا العشق ،ولا يتخذه تجارة ، ولا يستغله
موجة جديدة تعم هذا العصر فيركبها لانها هى الرائجة ،وانما لانه مجبول على هذا العشق لما فى طبعه من رقة وبساطة ولألفه الحميم للفلاحين ، واحتياره افضل الطرق للنفوذ الى قلوبهم للفهم : طريق الحب فهو صادق مع نفسه كل الصدق ، بل انه صدق مفضوح : وافتضاح صدق العاشق لاصق بحماسة الكتاب فى مطلع حياتهم ،يبتسم له الشيوخ لبراءته حينا ،ويضيقون لسذاجته حينا ، سيتملص منه اصحابه حين يصبح هذا الصدق مكنونا غير مسافر يرى بالحدس لا بالعين ، ، فأنا اسمع لشوقى عبد الحكيم ، صباحا  او مساء ، فى البيت او فى المكتب او فى الطريق فلا ادرى اهو يجاذبنى اطراف حديث عابر عن شؤن الساعة ، ام انه يتلو نصوصا من نصوصه ، وفهم كلامه ليس اقل مشاقة عندى من فهم اعماله .
كان ينجو من جر المتاعب على نفسه لو انه اقتصر – كما فعل فى كتابه الاول – على تتبع ادب الفلاحين وجمعه وتوبويبه وتفسيره والتعليق عليه ، بل كنا نرضى له ايضا الا يفرق فى عشقه بين شريفه وخسيسه ، وما اكثر المبتذل فى ادب الفلاحين ، ولكنه لحسن الحظ فنان يهيم بالابتكار والتعبير الادبى ، فنتقل الى تأليف مسرحيات عن قرب قريب أو بعد بعيد من أدب الفلاحين ان لم يكن من الموضوع فمن اللغة قبل كل شئ . فلما فعل ذلك اذا بالنقاد يختلفون عليه : فيهم من حمل عليه ، وفيهم من وقف بجانبه مثلى ، ذلك ان شوقى صار لا يكفيه الاعتزار بأنه صادق مع نفسه ، بل أصبح ملتزما عليه ان يقدم لنا عملا مستوفيا لشروط المسرح . وكنت أتمنى من النقاد ال1ذين حملوا عليه ان يتناولوا  عمله بتمهل ولا اقول برفق وان يزنوه بانصاف العدالة لا بحرفية القانون ، سواء حكموا له او عليه ،او ان يفعلوا  معه ما يفعلونه مع مانستورده من التجارب الحديثة فى المسرح الغربى التى تكاد تكون شفلنا الشاغل ، فلماذا اذا خرج مؤلف مسرحى  عندنا عن المألوف وحال كسر بعض القواعد الحديدية والوصول الى نافذة جديدة يطل منها على الحياة نراه يخاجم بلا تريث .
وشوقى عبد الحكيم نفسه يعترف ان عمله لا يخرج عن إطار التجربة ، انه لايريد  ان يلتزم شكلا معين ،بل ولا يرى بعد أين تقوده قدماه .
ومع هذا فان تجربته هذه تأتى فى حينها ، تحاول الاهتداء الى جواب سؤال عسير يشغلنا ، وهو : كيف يجمع مسرحنا الحديث بين الأصلة والمعاصرة ؟ هل نظل نقتبس من الغير ؟ هل يظل مسرحنا يدور فى نظاق الواقعية الاجتماعية ؟ التى لا تفرق بين لتصوير الفتوغرافى الا قليلا ؟ كيف نصل الى مسرح وليد الالتحام بالشعب ، المعبر عن هذا الشعب ، وكأن شوقى يقول لنا : لا نجاة ولا وصول الى المعاصرة الا بالرجوع الى أدب لفلاحين واتخاذه موضوعا او خلفية لاعمالنا المسرحية ، فاذا فعل فلن يتصف بالأصلة فحسب ، بل سيجد لغته أيضا ، لغة مشحونة بالإيحاءات  والكفيات والمجازات وأصداء الأساطير والأحلام ، لان العلاقة شديدة بين الفنون الحديثة والفنون البدائية والرؤى الشعبية والرموز والمجردات .
لقد سهل مسرح الجيب بعد تقديمه لشوقى عبد الحكيم فى الموسم الماضى ان يقدم يسين وباهية من شعر الاستاذ
نجيب سرور ، وهى تجربة جديدة ايضا لم تجد الاهتمام من النقاد مع الاسف .

اعترف ان اعمال شوقى عبد الحكيم تهبك كل ما عندها بالقراءة ، فاذا علت خشبة المسرح تعرضت لامتحان شديد ، فحين قدم مسرح الجيب الموسم الماضى مسرحيتى " شفيقة ومتولى " والمستخبى " من هذه المجموعة التى بين يديك نطقت الملامح بالمحاسن الخفية .
انك لن تفهم شوقى عبد ا لحكيم الا اذا تخليت عن تطلبك لهذا الترابط المنطقى فى الحوار كما تفعل مع بيكت مثلا وان كان مسرح شوقى عبد الحكيم من نوع مختلف كل الاختلاف عن مسرح الامعقول  . والحوار عند شوقى هو بين ضميرين ، يدور اغلبه داخل منطقة الا وعى ، منطقة الشعور الداخلي ، انه مجموعة من منولوجات داخلية فردية متصلة وان بدت متقطعة لتداخل بعضها فى بعض ، لا عجب ان كان أشبه شئ بجرس الرقى والتعاويذ ، والنفاثات ف العقد ، " القائلة نبين زين ونشوف الودع "
ليس لمسرح شوقى عبد الحكيم  لحسن الحظ هدف تعليمى ، هدفه الأحد هو الوصول الى مسرح بذاته لذاته ، مجرد عن الاغراض المباشرة ، كما تكون الموسيقى للموسيقى ،والتشكيل عند التجريدين تشكيلا .
ومغ ذلك اعترف اننى تعلمت منه حين قدم شهادة أدب الفلاحين فى الحياة ، عن القدر والضمير وعلاقة الفرد بالمجتمع .
- فهو ويؤمن ان الفرد رغم جبروته وخرق كعبه للأرض مخلوق ضعيف ، ولو انحلت تكة لباسه لانكشفت عورته ، يستحق زرف الدموع عليه فى البكائيات التى تروى سيرته على الطبلة او الناى لأنه أسير يد قوتين تسيطران عليه لاقبل له بهما ، القدر والمجتمع ولكنه – وهذا تفسير جديد لم أصل اليه وافهمه الا بفضل شوقى عبد الحكيم – يسلم بان هاتين القوتين غير ظالمتين .



رأى كتبه يحيى حقى استفز باحثا لدراسة توسعت فيما بعد
الحوار فى مسرح شوقى عبد الحكيم .. توصية بالارتجال
عن الحوا ر فى مسرح شوقى عبد الحكيم حصل الباحث أحمد عامر على درجة الماجستير من قسم النقد الأدبي بالمعهد العالى للنقد الفنى بإشراف د. نهاد صليحة.
تكونت لجنة المناقشة من د. حسن عطية عميد المعهد العالى للفنون المسرحية ود. احمد بدوى عميد معهد النقد الفنى إضافة الى د. نهاد صليحة .
كشف الباحث ف مقدمة دراسته أن ماستفزه فى مسرح شوقى عبد الحكيم هو رأى كتبه الراحل يحى حقى رأى فيه ، انه حوار من نوع جديد تكاد لا تقوم فيه علاقة بين الكلام والرد .. ولن تفهم شوقى عبد الحكيم إلا اذا تخليت عن تطلبك لهذا الترابط المنطقى فى الحوار .
فى الفصل الأول من الدراسة حسم الباحث عدة إشكاليات وصولا الى التعريفات الإجرائية التى يعتمدها فى بحثه ابتدأ من مصطلح الحوار وصولا لمصطلح الدراما ومنه لثنائيات الأدب والدراما والنص والعرض .
ثم خصص الباحث فصلين لتحليل علامات الحوار فى مسرحيات عبد الحكيم مقارنا ايها مسرحيات لشكسبير ، استراندبرج ، أبسن ، نجيب سرور ، توفيق الحكيم .
ودرس الباحث فى فصل مستقل كيفية قيام الحوار بوظائفه البنائية مقتصرا على بعض العلامات المختارة والتى تشكل ثنائيات واضحة عند شوقى عبد الحكيم .
وفى الجزء الأخير من هذا الفصل ركز الباحث على فعل الكلام ، ثم رد فعل الكلام الى نوعين من الأفعال الدرامية بينهما الحوار ويحيل الهما طول الوقت .
وفى الفصل الثالث تطرق عامر الى تطبيق على نصوص مسرحية فغير مساره جزئيا بحيث أصبحت سيموطقيا الحوار الدرامى هى المنطلق الاساسى وأصبحت مسرحيات شوقى عبد الحكيم نماذج مختارة كمصادر أساسية للبحث مع مقارنتها بمصادر فرعية أخرى هى مسرحيات عربية وغربية .
وتوصل الباحث الى نتائج هى ..
ان كانت الدراما كل ما يكتب بغرض التمثيل وبما يتناسب ووسيط عرضه سواء كان هذا الوسيط المسرح أو السينما أو التلفزيون أو الإذاعة وبالتالى ينبني تحديد كفاءة اى عنصر بنائى اعتمادا على قابليته للتمثيل ومدى قابليته للتحقق وفق امكانات وسيط العرض كما خلص الى ان للحوار الدرامى المسرحى بشكل عام عند شوقى عبد الحكيم وظائف متعددة تضافر مع وظائف لغات خشبة المسرح كما تعوض نقصها أحيانا من هذه الوظائف ببناء الأنظمة الدلالية المختلفة داخل المسرح .
كما يقوم الحوار بتقديم معلومات عامة للمتلق ويختلف التأثير الناتج على المتلقى باختلاف تقنيات تقديم هذه المعلومات فأحيانا يمثل تقديم المعلومات تعاليا على الجمهور ولكن فى جميع الأحوال يستبعد ما يعوق العلاماتى للوصول لمعنى يناسبه اى يقوم بإقصاء هذه المعلومات وفى حالة زيادتها على قدرة المتلقى يحكم عليها بالغموض وتمثل هذه الحالة مسرحية جنينة الحيوانات البشرية .
وتوصل الباحث الى نتيجة أخرى حيث يفلح المؤلف فى تقديم معلوماته العامة فى بداية النص الدرامى عبر حوار لا يقدم دروسا ولا استعراضا لثقافة المؤلف ، ولا اى من شخصياته .. حيث تكون المعلومة ضرورية فى بناء الإحداث والصراع ، وتطور الحبكة حتى النهاية ، وهذا هو المسرح النموذجى لاستخدام هذه التقنية كما فى مسرح " الأب " لأوجست سترندبرج .
وأخيرا هناك التوصية بالارتجال فى بداية النص الدرامى اى ( حوار لم يكتبه المؤلف ) يوصى به لآخرين يقومون بكتابته أو ارتجاله ، فرغم ما يسود عن ربط الارتجال بالعرض ، فان الباحث وجد ما اسماه بالتوصية بالارتجال من قبل المؤلف الى المخرج والممثل والدراماتورج وهى توصية توسع من نطاق البدائل والخيارات الفنية الدرامية المسرحية للوصول لعرض أكثر نجاحا وأكثر تأثير وجماهيرية .
عن جريدة مسرحنا 9 من ابريل

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الأغنية السياسية








الأغنية السياسية

عندما عاد سعد زغلول من منفاه 1923 ، كان جسمان سيد درويش يوارى التراب وهو بعد فى الواحد والثلاثين من عمره ، لكن عزاءه أن غنائه خرج صادحا  بلادى بلادى لك حبى وفؤادى
لم تعرف مصر الغناء السياسى قبل سيد درويش ، وكان سيد درويش رائد ما يعرف بالأغنية السياسية بعد أن عرف شعراء ملهمون أمثال بديع خيرى وبيرم التونسى ، فتجه الى الأغنية السياسية لحب الوطن واستنهاض همم المصريين ب " قوم يامصرى .. وانا المصرى ، واعترض على سعر الجاز والمحروقات فنادهم قائلا " استعجبوا يأفندية سعر الجاز بقى بروبية " وغنى للصناعية والعمال والفلاحين ولفئات الشعب جميعها  .
وفى عام 1951 غنت ام كلثوم مصر تتحدث عن نفسها  للشاعر الكبير حافظ ابراهيم بعد هزيمة
1948 لتساعد فى التأم الجرح وعودة الروح الجسد  ، وبعد قيام ثورة 1952 حدث المد الثورى
وغنت للثوار " ثوار ثوار لأخر مدى "ثم غنى عبد الحليم ثورتنا المصرية ،وكان نشيد وطنى الاكبر علامة على هذه المرحلة الثورية التى عاشتها مصر ، وغنى للعمال والفلاحين والبسطاء
ولبناء السد العالى ، وبعد هزيمة 67 كانت الأغنية السياسية هى أول من تفاعل مع الهزيمة فغنى
عدى النهار " ، وغنت القوى الشعبية مع محمد حمام لبيوت السويس .

وبعد النكسة ايضا ظهر نوع من الغناء يسخر من الهزيمة ومن النظام والعسكر مع ظهور الثنائى
الشيخ إمام  واحمد فؤاد نجم ، وغنى امام " الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا يامحلى رجعة ظبطنا من
خط النار " وتحول الثنائى نجم وإمام الى الغناء السياسى والنقد اللاذع للجميع فطال نقدهم ام  كلثوم
وعبد الحليم حافظ والسباعى  ونيكسون ، وغنوا ضد أباطرة رأس المال والإقطاع كما غنوا للثوار
أوشى من " فى  فى فيتنام الحاكم اللى حكم ضد الهوى والذات " ولجيفارا " بعد مقتله فى الغابات
جيفارا مات ، وكانت أغنيتهم " مصر يامه يابهية " بعد الهزيمة لها السحر عند الطلبة والتلامذة فى ذلك الوقت لتطفي الروح الانهزامية وتشعل الثقة للحرب ضد الكيان الصهيونى ، وعنوا احتفالا باتفاضو 77 رجعوا التلامذه ياعم حمزه للجد تانى ، والتى كانت اول اغنية عرفها الميدان فى ثورة 25 يناير
كما ظهر الفنان محمد نوح وغنى " مدد مدد شدى حيلك يابلد " وغنى عادلى فخرى " الفلاحين
بيغيروا الكتانى بالكاكى .
وترسخت الأغنية السياسية واحتلت مكان هام ومميز فى الوجدان المصرى وظهر مغنيين سياسيين
غنوا للفقراء والمهمشين مستعنين بكلمات شعراء الستينات مثل الابنودى وفؤاد حداد وزين العابدين فؤلد وسيد حجاب وغيرهم ، وغنى محمد عزت ، واحمد إسماعيل ، وعهدى شاكر ، ومحمد منير ، والحجارووجيه عزيز واخرين .
وبعد ثورة 25 يناير لعبت الاغنية السياسية دور هام وظهر من الميدان فرق مثل أولاد الأرض واسكندريلا وكاريوكى ، وفرقة أسفلت ، وأسماء مثل حمزه نمره ، ورامى عصام  وعايد الايوبى وغيرهم من الشباب الذى شارك وتفاعل مع الثورة بالفعل والفن .