- الزاويا الخضرا
هكذا كنت أقرأ لافتتها على الطريق الترابى.. كان ينام تراب طريقها تحت زخات الماء الذى كانت ترشه عربات رش المياه فى ذلك الزمن الذى تربينا فيه، لكى نعيش الآن فى تذكّره بكل حسرة وكمد.!!
وهى قرية صغيرة تتبع مركز سنورس بمحافظة الفيوم التى كانت تفهم أن الدين هو العدل، لذلك كانت الفيوم يسارية مع تدينها الشديد. ربما لأنها من المحافظات الفقيرة مع ارتفاع نسبة التعليم فيها. حلّل الأخ عماد دم المحافظة فى مقال له بالأمس، ليعرّفنا كيف تحولت هذه المحافظة إلى التخلى عن التصويت لأى رمز من رموز الثورة.!
فى جوف إحدى الليالى، كانت إحدى سيارات البوليس البوكس تسير بزوار الفجر إلى قسم شرطة المركز، ومعهم أحد رجال الإخوان الذى قبضوا عليه من هذه القرية. طوال الطريق، كان يحاول الرجل عبثا إقناع المخبرين الماسكين بخناقه بأنه ليس من الإخوان. وكان أن ظهر فجأة من يعبر الطريق من خلف السيارة، فواتته فكرية ذكية: نادى على الرجل فى هستيريا مازحة وهو يسب دينه (يا فلان يا ابن دين...) وعلى الفور، انطلت الحيلة على أحد المخبرين، فخبط على جانب صندوق السيارة، وما أن توقفت، حتى قال للإخوانجى (الملتحى): "انزل يا ابن دين...".!
قد ترى أنت فى إقدام ذلك الإخوانجى على سب الدين حيلة وتقية للخروج من المحنة. لكنى أراها عدم ممانعة، وتلونا يصبغ سلوك هذه الجماعة. هذا التلون هو الذى يفقدهم ثقتنا فيهم. لأن التلون لا يكون إلا للانتهازيين. والانتهازية هى التى جعلتهم يلحقون بالثوار فى الميدان، ثم هى التى جعلتهم يهرولون لعقد صفقتهم المشينة مع عمر سليمان، فيتركوا الميدان وظهر الثوار إلى الحائط. صعدوا بصفقتهم وببيع الجنة للمستفتين على تعديلات الدستور فى مارس 2011 إلى مجلس الشعب. وغضوا الطرف عن المادة 28 التى تعطى حصانة مضحكة للجنة الانتخابات لثقتهم فى أن الرئيس لن يكون إلا منهم هم، ليجمعوا إليه مناصب رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان، ولا يتبقى بعد ذلك إلا أن يكّوشوا على رئاسة دورات المياه العمومية، حتى لا يدخل بعد ذلك أى أحد لقضاء حاجته إلا بعد إذنهم.!
أرجو ألا يخلط أحدنا بين "التقية" ، وخُدعة الحرب، فرسولن الكريم حينما قال: "الحرب خُدعة" كان يقصد أن تكون على العدو ولتضليل العدو، لا أن تكون علينا نحن، ولتضليلنا نحن.!
ولا نبالغ إذا قلنا، أن هذه الانتهازية منهم، كانت على جانب كبير من الخطورة، بحيث أنها قد تكون هى التى غيرت وجه التاريخ فى مصر، وقد تكون هى أحد مسببات ما نحن فيه الآن. فلقد حاولوا أيضا أن يركبوا موجة الثورة الناصرية، ونازعوا ناصر فى توجهاتها، وأرادوا أن يتسحوذوا عليها، فكان الصراع الدامى المعروف بينه وبينهم.!
الآن، ينحشر الإخوان ومعهم الثورة فى الزاوية. لكنها ليست خضراء. ينحشر مرشحهم فيها، ولا يريد برغم ذلك أن يتخلى عن تلونه، برغم أن تخليه عن هذا التلون هو السبيل الأوحد لإخراجه من هذه الزاوية المقيتة. مخ ناشف، وغرور مقيت يأبيان عليه ذلك، برغم علمه بحجم المنافس له وبعناصر القوى المساندة له.!
وأعجب ممن أشار عليه بهذه الحيلة التى طرحها فى مؤتمره الصحفى ظهر اليوم.!.. فهو يريد أن يجذب إليه أصوات مؤيدى المرشحين من رموز الثورة الذين خرجوا من سباق الرئاسة بتعيينهم نوابا له. يعدهم بذلك شفاهة دون ضمانات مكتوبة. يريدهم مستشارين وناصحين له.. ويعد بأن يكون رئيس الوزراء ليس من الإخوان حتى وضع الدستور. فتأمل ما يرمى هو إليه.!
وأنا سأعين نفسى ـ فى هذا المقال ـ ناصحا له، طالما أنه لا يستنكف النصح والإرشاد:
• يا سيادة الرئيس القادم ـ وأنا أفضلك على شفيق بأى مقياسٍ من المقاييس ـ التفاعل بين الرئيس ونوابه لا يكون عبر النصح والإرشاد.. أنت هنا لست عمر بن عبد العزيز، ولا ينفع مع روح العصر أن تبحث عن الحسن البصرى ليرسل لك نصحا من كلمتين. فاخرج من كتب التراث وثقافته.. أنت الآن رئيسا لمصر فى عصر غير العصر، وآليات حكم غير تلك الآليات، وتحديات غير تلك التحديات. عمر بن عبد العزيز وقتما كان يسأل عن النصح كان هو سيد الأرض.. كان هو "أوباما" ذلك العصر. كان يحتار فيما ينفق أموال الدولة، فكان يزوج من لم يتزوج بعد. وأنت لا يكفيك النصح، كأن يقال لك مثلا: "حصنها بالعدل".!.. فلابد من اتباعه بكيف.؟ كيف تعيد توزيع الثروة وأنت لا تتطلع إلى حد الأجور الأدنى بأكثر من 700 جنيه، وكيف وأنت تنحاز للإغنياء بعدم أخذك بمبدأ الضريبة التصاعدية. وكيف ستحقق العدل وأنت تستبدل ديكتاتورية الحزب الوطنى بديكتاتورية الإخوان. فيما هو الفرق بينك وبينهم إذاً.؟
• يا سيادة الرئيس القادم، إعلن للناس الآن دعوتك لمرشحى الثورة لأن يشاركونك فى مجلس رئاسى ، على غِرار مجلس السوفييت الأعلى ـ لا تستعذ بالله ـ فهذا المجلس هو الذى كان يقود الإتحاد السوفييتى إلى مركز القوة العظمى الثانية، وانفك وانهار ذلك الإتحاد مع تسلط جورباتشوف.. مجلسا يعبر عن ألوان طيف الأمة، ويكون القرار فيه بالأغلبية مثلا . بهذا تعرّف الناس بروح الإسلام الحقة، وبهذا تؤئر مصلحة الأمة على مصلحة الجماعة، وتسترد للجماعة ثقة الناس فيها ثانية. فهل تفعل.؟
• ودعنى أسرُّ لك ما يجيش فى داخل نفسى.. لم أراك دائما ـ وأنت الذى أقمت طويلا فى أمريكا ـ متجهما هكذا وكأنك لم يزل بداخلك جلبابا.؟ لم.؟ إنى أعلم بأن الكارزيما هبة من الله، لكن كيف لم تجهد نفسك في تعلم كيفية الجماهير. نحن نتحمل ظل بعض خطباء الجمعة الثقيل، لأنها ساعة وستنفض، لكن بالله عليك كيف سنتحمل خطابا لك إن دام لمدة ساعة. هل تريدنا أن ننصرف عنك مثلما كنا ننصرف عن خُطب مبارك.؟.. أسر لك بهذا لأنك آثرت ألا تخرج إلى الناس إلا باسم الإسلام، وإن كان غير ذلك، لهان الأمر يا سيدى الرئيس (قل يا رب).
• لماذا لم تعتذر للناس حتى الآن عن ترككم للثوار فى الميدان، وعن إحجامكم ثم إقدامكم، وعن نقوصكم عما وعدتم. وعما تسببتم فيه من ترسّخ المادة 28 .؟
• أين تقف من دم شهداء الثورة.؟
• لماذا تقبل بتقلد سلطة الرئيس بتزييف إرادة الناخبين وشراء أصواتهم بزجاجات الزيت والسكر.؟
• أنصحك بالنزول إلى الميدان كتفا بكتف خالد على، مطالبا بإعادة الانتخابات لأنك ترفض الانتهازية، وترفض التزييف، ولأن صورة الإسلام أحبّ إليك من الرئاسة ومن الجماعة ومن الدنيا بأسرها.. وبأنكم لم تكونوا تقضون أعماركم فى المعتقلات من أجل أن ينتهى بكم المطاف إلى خسران ثقة الناس فيكم وإلى أن تفقدوا قرابة 4 مليون صوت فى ظرف أربعة شهور فقط.!
• ............
• ...........
• ..........
• بهذا تخرج نفسك من محنة الزاويا دون أن تضطر إلى ما اضطر إليه ذلك الإخوانجى المشار إليه بعاليه.. والسلام عليكم ورحمة اللهالفيوم بنى سويف رايح جاى ..كتب عماد هلالمن الفيوم الى بنى سويف.. ياقلبى لا تحزن ..!وتظل نتائج الانتخابات تدل دلاله بينه أن المحافظتين اللتين تعانى من الفقر والجهلمرتع للتيارات الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ، فبجمع الأصواتفى انتخابات الرئاسة الأخيرة نجد أن المحافظتين قد قدموا الفارق للمرشح محمد مرسى ممثل الأخوان المسلمين ومن ييليه فى هذه الانتخابات.وللقصة بدايات حيث كانت الفيوم تقود حركة التنوير واليسار فى الصعيد من خلال رجل عظيم أعطى عمره وماله وجهده لها مع طليعة عظيمه من رجال تنويريين ، الا أن أمن الدوله فى ذلك الوقت شعر بالخطر منه فعمل بكل جهد للتضييق عليه وعلى أعضاء حزبه بشكل واضح وصريح ، ظل يطاردهم ويقبض عليهم لا يتيح لهم أى فرصه للعمل السياسى حتى أن الرجل كان يتندر أنهم يحققون معنا ان عزمنا ضيف على طبيخه حمره وخضره .. وعلى الجانب الأخر ظل الرجل واقف فى وجههم صامدا كشجرة الصبار يقاوم مايعرض عليه من مناصب كبرى ويضرب المثل لأبنائه ومحبيه فى العطاء دون مقابل .وعندما لم يستطيعوا معه حل لإيمانه بمبادئه استعان أمن الدولة بأحد أبنائه الذى رباه على يده وأعطاه من ماله وجهده ودفعوا به ليخوض ضده انتخابات مجلس الشعب وحرضوه أن يسبه ويتهمه بالكفر والشيوعية علنا وفى تجمعاتهم لتكون طعنه قاتله فى ظهر الرجل الذى كان يعامله كأحد أبنائه وفرد من الأسرةأحس الرجل بالضربة الموجعة وظلت فى جوفه لا يستطيع أن يتجرعها حيث كان رقيق الحس والمشاعر الى أن قابل وجه ربه بها ، يكره أن يذكره أحد بها حتى أنه فى أخر عمره كان يفر منها فى منتصف اليالى ليهرب من ذكراها .وعلى أثر هذ الضربة الموجعة القاسمة للرجل وللفصيل التقدمى فى المحافظة بل وبعض محافظات الصعيد التى ظل الرجل على اتصال بهم دون انقطاع ليعينهم ويقدم لهم الكوادر ..انفتح الطريق لعمل جماعة الإخوان ليغرد منفردا دون معوقات وتحولت المحافظة كمرتع لهذه الجماعة تحت أعين أمن الدولة و اعتقاد منها فى سيطرتها على الأمر .احتلت الجماعة جامعة بالفيوم لتجنيد الطلبة والدفع بكوادرها من مدرسين بحجة إتمام الدراسة الجامعية حين كان الغرض الاساسى تجنيد الطلبة والطالبات.. فيتم القبض على أى يسارى أو ناصرى يعمل أى فاعليه من قبل أمن الجامعة وأمن الدولة وترك المجال الحيوى لأفراد جماعة الإخوان المسلمين وغض البصر عنهم حيث كانوا تحت السيطرة .. لا يواجهوهم الا عند التظاهر خارج سور الجامعةواستولوا على المساجد مع إتاحة الفرصة لهم لجمع الأموال من التجارة فى العملات الأجنبية خاصة الدولار رغم تجريم العمل به فى ذلك الوقت .يحدث هذا حينها وغيره تحت سمع وبصر أمن الدولة بالفيوم حيث كان يذهب إليهم مستحقاتهم المادية من هذه التجارة الرائجة من عملات وذهب ناهيك عن عقد الصفاقات بين نظام مبارك والأخوان على أعلى مستوى وقد كانت الفيوم من المحافظات التى يتم عقد الصفاقات عليها .أما بنى سويف فربما لها طريقة أخرى قد تتشابه أو تختلف لكن النتيجة واحدهفحين تحررت محافظات مثل الإسكندرية والشرقية من هذا الاتجاه بعد الثورةنظرا لارتفاع مستوى التعليم والدخل والثقافة هناك عن الصعيد.فهل ترى محافظات الصعيد كسر لهذا الحصار قريبا ، أم تظل زجاجة الزيت وكيس السكر هى أمل الناخب للإدلاء بصوته ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق