الثلاثاء، 21 فبراير 2012

بل كيف لم ننتبه لها نحن.. انتبهوا لأمل مديان

  • بل كيف لم ننتبه لها نحن.. انتبهوا لأمل مديان.!

    "كيف لم انتبه؟؟
    ينام الجميع حقا فوق أكفانهم ...........
    وماعدتُ أملك غير سلةٍ أحشر فيها ما تساقط من أحلام المساء.....
    أمنيات كانت تنام علي وجهها الأغنيات.........
    سكنت دقائق العمر....
    أمنيات سارت في خفة الريش الي حجرات قلبي.......
    كلمات كالفراشات التي زركشت ردائي بالعطر............
    حينها كنت أستمتع بقراءة درس الغيوم........
    و اشتاق للعب مع النجوم..........
    وهاهي قد أصبحت بقايا طين قديم.........


    لا بد أن لهذه الشاعرة ـ ولست أدرى إن كانت هى سيدة ـ الكثير من الأطفال.! .. إقرأ معى ما تزخر به قصيدتها هذه من تعبيرات تفيض بالأمومة: (ينام الجميع حقا ـ وماعدتُ أملك ـ سكنت دقائق العمر ـ واختفت البنات ـ وهاهي السنوات الطويله تراكمت) وتأمل معى تساؤلها ذاك: كيف أستطاع أن ينام بعيدا عن الدار (!)

    فلكأنها أمٌ رؤوم، وزوجة وفية تبيت على طوى المشاعر، ومن حولها أطفالها "وقد نام الجميع حقا فوق أكفانهم .
    "وماعدتُ أملك غير سلةٍ أحشر فيها ما تساقط من أحلام المساء
    أمنيات كانت تنام علي وجهها الأغنيات"


    هى فقدت أمنياتها التى كانت تهفهف حولها فى خفة الرياش، وفقدت فراشات كلمات ـ لا نعرف ، بحق، كيف كانت تزركش ردائها بالعطر.! تحول كل هذا إلى بقايا طين قديم حينما كانت هى تطالع دروس الغيوم، والغيوم قد تعنى: الوهم/ التحول/ التلاشى

    "وما لهذا الربيع .........
    كيف أستطاع أن ينام بعيدا عن الدار!!!!!!
    و قد كان يزيل من الريح صوت البكاء........
    انسحب العشب الأخضر ذات مساء...........
    واختفت البنات خلف الفناء......
    لا يسمعن إلا أصداء أصواتهن...........
    والتي كانت تزّهر الأرض تحت أقدامهن..."

    ومن بين أصنام الطين القديمة ـ التى كانت يوما، كلمات وأمانى ـ تنبثق منها آهه فى لفتة حسرة من ذلك الربيع الذى صار بمقدوره أن يبيت خارج دارها، ساحبا معه حياة كانت عندها يانعة، ناضرة، وساحبا معه كل مشاعر كانت دفيئة معشوشبة بالخصب والنماء. لم يتبق لها إذا سوى صفير الريح وعوائها فى ليالٍ قد خلت من الحبيب.. ليالٍ صبغتها الوحشة والوحدة وهى التى كانت تعج بكل أشكال الحياة وحبور البنات من حولها فى ذلك الفناء من حياتها مع الحبيب المفقود.!

    ويثقل هم الوحدة، مع سنين تتراكم فى عينيها هى، لكنها تستحضرها فى أعين كل بنات جنسها، إنها تقفز بنا من الهم الخاص إلى الهم العام، فكل منهن قد خلت يمناها من ربيع حبهن الدافئ المخضوضر المخصب المعشوشب الذى ما كان يحلو له الاختباء إلا بين أذرعهن جالبا لهن كل صنوف الصحة والعافية، طاردا كل علة ومرض. فى الحب الصحة والعافية، وفى فقدانه علل كثيرة واصفرار للبنات.

    "وهاهي السنوات الطويله تراكمت بين أعينهن......
    ربيعا كان يهدأ فوق حكاياتهن.........
    مخبئا رأسه بين أذرعهن...........
    ملقيا بعيدا بأدوية الشرايين...........
    عند جذور شجرته في قلب الشتاء...
    ها أنا قد علمت بأن الموت يأتي في آخر الظل
    ولكن لم نستعجله.!!!!!!!
    نسارع الخطى لنهبط بأرواحنا من السماء...............
    فنري أجسادنا وهي تسبح بين طبقات الارض............
    نصيح وتعلو أصواتنا..
    ونعلن استيائنا اذا كنا الذي لم نشأ..
    دهشة سُكبت علي عقلي...........
    فاجتاحته فوضي عارمه...........
    فتفجرت منها نوافير الغضب.............
    حقا كيف لم أنتبه!!!!!!!!!"

    هى لا ترى تمحور ذاتها إلا فى بحور الحب، ولا ترى كينونتها إلا فى استغراقها فى بحور ذلك الحب، فدونه الموات، والفناء مع آخر ظل (ظل من.؟ ـ هى لا تبوح.!) ولأنها تخشى أن نستقصى ونستدل عليه بأنفسنا، فإنها ـ وكعادتها تتقافز بنا مع طائر أبى الفصاد ـ لترمى فى وجوهنا سؤالها المباغت:
    ولكن لم نستعجله.؟

    حيلة تلهينا بها عما كنا ننتويه من استقصاء واستدلال. لنعود مع المرأة ، نلف وندور فى دهاليزها ومكنون أسرارها، وغيم الغموض الداكن فيها: فمن عساه يكون ذلك الذى تسأل فى استنكار: لم نستعجله.؟

    أهو الموت.؟
    أم تراه الربيع / الرمز للحبيب النفقود.؟

    لم تستطع أن تكون كيفما كانت تتمنى بين الغيوم والسحب، فليس إلا الحنين والعودة إلى الأرض فى ذات الرحلة التى قطعتها أمها حواء منذ زمن سحيق.. منذ ذلك اليوم الذى استشعرت فيه مشاعر الحب تتحرك بداخلها تجاه ربيعها آدم.!

    بيد أنها كانت قد أخبرتنا بأن ربيعها مفقود على وجه الأرض، لا مندوحة إذا من مواصلة الرحلة ـ مرورا بالأرض ـ إلى باطن الأرض كالبريمة:

    "فنري أجسادنا وهي تسبح بين طبقات الارض."

    تحفر طريقها فى باطن الأرض ـ وليس هذا بعجيب من المرأة ـ صدقنى ـ وهى مستاءة، لأنها لم تكن فى السماء كما كانت تبغى وتتمنى.

    "دهشة سُكبت علي عقلي..........."

    سكب الدهشة هنا بنته الشاعرة لنا بيد مجهول.. فمن الذى سكب الدهشة على أفكارها هكذا.؟ لكى:
    "فاجتاحته فوضي عارمه...........
    فتفجرت منها نوافير الغضب.............
    حقا كيف لم أنتبه!!!!!!!!! "
    ونقف معها: أغضب من بعد فوضى، أم فوضى من بعد غضب.. من يعقب من.؟

    حقا كيف لم أنتبه!!!!!!!!! "

    ما أحرانا أن نسأل نحن هذا السؤال: كيف لم ننتبه إلى شاعرة كهذه.؟ فلئن كانت أم رؤوم، فما أجدرنى أن أكون أنا ابنها.. أيا أمى: دعك من طينك القديم المصلبن، واخرجى إلىّ من بين طبقات الأرض.. وتعالى نبحث معا عن ذلك الربيع. عن بناته. عن فراشاته. عن شدو طيوره فى حدائق فناء بيتك المهجور. أينما خطوت معى يا أماه أزهرت الأرض واخضرت واعشوشبت.. وبيدى أنا سوف أسكب فى عقلك كل أسئلة الدهشة والانبهار.

    على عبد الباقى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق