السبت، 11 فبراير 2012

اللاوعى فى تجارب أمل مدين الشعورية.. فراءة للاستاذ على عبد الباقى

اللاوعى فى تجارب أمل مدين الشعورية                

"يارب
عندما يستبد بي القلق
ويستنزفني التوتر
انظر الى السماء
وأتأمل نجومها
وأثق فى خالقها..."

"آســــــــــــــــــف طلبك غير مرغوب فيه.........

قبلوا جميع طلبات العبور عبر حدود الزمان........الا طلبي..........
كم كنت احلم بأن يقبل طلبي .حتي اتمكن من العوده الي ملاعب الطفوله من جديد.......
حيث كان يحيطني الاصدقاء واحتمي بين احضان العائله............."

"لما يراودني كثيرا حلما بأن عمري قصيرا
لتنتزع مني الحياه
يوما ربما ليس بعيدا
فأبحث عن سحابة قريبه تأتي تلملم حبات المطر
لتلقي به في نهر اسطوري حفرته سنوات عمري..."

يلقى شعر أمل مدين حفاوة كبيرة من القراء، ويلح عليها البعض ،مثل ريهام بهاء، لطبعه فى ديوان مكتوب. فما الذى يعجبنا فى شعرها.؟

هناك التفسير التاريخى للأدب وهناك التفسير الإجتماعى الذى يمكننا من التعرف على بعض الحقائق التاريخية لحقبة من الحقب، أو كشف البنية الإجتماعية لمجتمع هذا الشاعلا أو ذاك.. لكن العقاد هو الذى فتح عيوننا على التفسير النفسى للأدب، حينما راح يستخدمه فى أبحاثه ودراساته، ولعل أشهرها هى دراسته عن الشاعر ابن الرومى.

يقف خلف شعر أمل مدين ذاتٌ شاعرة لديها مزية الشجن، ومن الشجن ما كان فى نعومة الشيفون، ومنه ما كان فى خشونة قماش قلوع المراكب. ومما يجعل شجن أمل كشيفون الطرحة السوداء فى شفافيتها ونعومتها، هو كونها فنانة تشكيلية تميل إلى رسم الطبيعة حينا، وتنزع إلى رسوم أشكالٍ سوريالية حينا آخر.

تتشكل تجربة أمل مدين الشعورية بتوتر الماء فى غليانه، وتشعر فى شعرها بفقاقيع الهواء التى تتصاعد إلى سطح قصائدها طوال قرائتك لها. فما نوع النار التى تحت مراجل قصائد هذه الشاعرة.. وما لونها.؟

1ـ تتلون نارها بلون الشعور بالغربة الأزرق.. الغربة عندها لا تأخذ اللون الكابى، وإنما تتلون عندها بلون البحر الأزرق الذى لا ترى له أى شط.! .. فهل هذا لكونها إمرأة ، وليست رجلا.؟، ونزيد التحديد فنقول: لكونها إمرأة شرقية.؟ ربما.!

هى فى لون نيرانها الأزرق ذاك تتمكن من بذل محاولة من بعد محاولة للتصالح مع مفردات الدائرة المحيطة بها، بدلا من الذهاب فى التمرد عليها إلى أبعد مدى ومن ثم محاولة قلبها أو كسرها وقهرها ، أو اتخاذ موقفا معاكسا يتسم بالإنسحاب والقهقرى للخلف.!
2ـ تتلون هذه النيران أيضا ويُهدّأ من ألسنة لهبها، ذلك الوازع الدينى القابع تحت تمرد جمراتها، وهذا بالطبع من شأنه أن يولد صراعا باديا لنا ، ومعلنا عن نفسه على هيئة تلك النقاط التى تأتى فى أعقاب أبياتها كعربات قطار السكك الحديدية.! .. صراع ينشب دائما ما بين الرغبة فى التمرد، وما بين الاعتصام بذلك الوازع الدينى لكبح جماح ما يعترك بداخلها من غضبٍ وشطط.! ، فلا يكون لديها غير توجيه ناظريها إلى السماء ، حيث لا منجاة ، ولا ملجأ إلا الله.

3ـ اعتداد بالنفس شديد ـ وأنا شخصيا يستهوينى النفخ فى نار هذا الاعتداد، وهذا للمناسبة، ليس إلا ـ خاصة إذا ما كنتُ حيال تجربة شعورية تطغى على ذات إمرأة شاعرة.! .. تعالى نصعد معها إلى مكنونات هذه الصورة التى (رسمتها) بقلمها:
"...فأبحث عن سحابة قريبه تأتي تلملم حبات المطر
لتلقي به في نهر اسطوري حفرته سنوات عمري..."

فنحن نعرف أن السحابة تحمل الماء، لكنها غير ذلك عند الشاعرة أمل مدين، حيث تتمناها تلملم المطر، بينما كنا نعرف نحن، بسذاجتنا، أن المطر لا يكون مطرا إلا إذا تساقط من السحب على هيئة قطرات.. وكان قد قيل لنا: أن المطر يتساقط، فتتلقاه الأرض الطيبة. بينما لا تريده هى إلا متساقطا فى نهر. وألا يكون إلا نهرا مقدسا أسطوريا من حفر سنوات عمرها.!

قالت شاعرة لمن هامت فى حبه يوما: "أريدك مطرا منهمرا علىّ، كأنى أرضا طيبة" .. أريدك مطرا يخصّب أرضى الطيبة، وخذها على أى محملٍ شئت. قالت ذلك، لأنها لم تكن تعانى أى صراعات، ولم تكن النيران المتأججة من تحت دفاتر أشعارها إلا بذات لون واحد فقط .. اللون الأحمر.!

احترامى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق