ففى الليلة السابعة والخمسين بعد الثلاثمائة .. نقرأ حكاية أصحاب الطاووس والبوق والفرس الذهبى وذلك الملك المهيب الذ جاءه ثلاثة حكماء مع أولهم طاووس من ذهب ، ومع الثانى بوق من النحاس ومع الثالث فرس من الأبنوس أو العاج ، وعندما طلب منهم الملك أهمية ومنافع هذه الأشياء : قال أولهم أن من فوائد طاووسه أنه كلما أنقضت ساعة صفق الطاووس بجناحيه مهللا فيعرف الوقت ، وأخبره صاحب البوق أنه من فوائد بوقه أنه لو وضع خارج المدينة واقتحمها العدو صرخ البوق منذرا و محذرا .. ( مثل طائرات وأجهزة الإنذار المبكر ) وأخبره صاحب الفرس أن بمقدور حصانه – المحجب- ذاك أن يصل من اعتلى ظهره الى أقاصى الأرض .
هذه ليلة من ألف ليلة وليلة التى تتعرض للمنع والمطاردة على أيدى السلفيين كنص مدون لأهم مخزون تراثى من الحكايات الخرافية والنوادر والقصص والاسفار والمخاطر وخوارق الشطار
عرفته البشرية .. وتعد مخزونا لا ينضب معينه لأى دارس فى حقل الفولكلور بعامة .
ويتضح مدى تأثيرها على أوربا والعالم الجديد بخاصة منذ أن اضطلع المستشرق الفرنسى أنطوان جالوت منذ عام 1704 بنقل النص العربى – الذى سبق اكتشافه ليتمان – الى الفرنسية ، واستحوذت ألف ليلة وليلة وأخذت اهتماما كبير منذ ذلك الوقت ، فى حقل الحكايات الخرافية ، وحكايات الأصيل والخسيس ، أو الأخيار والأشرار، والمساخر والمرح ،والجنس الفاضح ، والنوادر والفوازير والألغاز، بالاضافة الى خرفات الجن والعفاريت وذلك العالم السحرى العربى الذى لا يختلف كثيرا عن ملامح وخصائص نظيره الشفهى – المتواتر – لبلداننا العربية .
والف ليلة وليلة ذاتها ، ماهى سوى محصلة نهائية للحكايات العربية فى الجزيرة العربية ، ودلتا مصر ، وبلاد الشام ، وأرض الرافدين بالإضافة الى أن معظم المستشرقين الذين تعرضوا بالنقل أو الترجمة لألف ليلية ، قد استعانوا برواة الحكايات العربية ذاتهم وحفظة النصوص .
ولألف ليلة وليلة أهمية كبرى عند دارسى الفولكلور لما بها من اتصال بين أشلاء الحضارات العربية السابقة على الإسلام بعشرات القرون من كالدانيين ، وآشوريين ،وعرب نبطيين وهذه الشرائح السلفية الجمعية من عيون التراث والمخزون الجمعى فى حقل الحكايات من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة ، وانتهاء بالآلاف المؤلفة من المدونات التى تعرضت للأقوام والحضارات والكيانات المنصهرة على رقعة بلداننا العربية بتراثها المتوارث والمتواتر منذ عصور ماقبل العلم .
وتمتاز ألف ليلة وليلة براحبة صدرها فى ذكر الطبقات الشعبية المتطاحنة والمهمشة لمجتمع كان يسعى حثيثا للانصهار والتجانس قبل الإسلام وأخصه طبقته الوسطى الصغيرة والطفيلية من تجار ، وحرفيين، وصيادين، وخياطين، وصاغة، وحلاقين، وحشاشين، ولصوص، وقوادين ومدمنى نساء وغلمان، وجنود، وصيارفة، ودلاليين، وإسكافية، وخبازين ،وقوادى مواخير وقطاع طرق .
بالإضافة الى مجتمع البلاط الحاكم من خلفاء وملوك ووزراء وحكماء وقادة وقضاة بلهاء .
ومن سمات الصلة الأصولية السامية المتصلة بألف ليلة وليلة ما شاع حولها من الطيور الآدمية ، أو الطيور الراقصة التى استوحى منها تشايكوفسكي باليه بحيرة البجع ، وأيضا تعلن عن الرغبة العارمة القديمة لدى الإنسان فى الطيران والتحليق الى السماء ولو عن طريق الخيال والخرافة وعلى أجنحة وأبسطة ألف ليلة وليلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق