الجمعة، 7 مايو 2010

الاثنوجرافيا‏..‏ علم مستقبلي
بقلم : شوقي عبد الحكيم



حتي الآن لا يزال علم الاثنوجرافيا داخل رقعة العلوم الانسانية علما غائبا يكثر التساؤل حوله
فالإثنوجرافيا متضمنة للفولكلور ـ من مهامها جمع المعلومات والمأثورات المتوارثة‏,‏ بما يمكن تزامنه مع الدراسات التاريخية في جدلية وجود العلاقة الحميمة بين البناء الاجتماعي وعلم ما قبل التاريخ والأثار‏,‏ بالاضافة الي بقية الميادين والأبنية ومنها أبنية الأتصال‏,‏ من قرابة وتنظيم عشائري‏,‏ وأنماط الزواج والتربية واللغة وكذا المعتقدات والمنتجات الطقسية‏.‏
وكما سبق أن أوضحنا فإن مثل هذه الدراسات قطعت شوطا كبيرا‏,‏ خاصة فيما يتصل بالتصنيف‏,‏ أي تجمع وتراكم عينات الفكرة والمقولة الواحدة‏,‏ ثم بعد ذلك إعادة تعريف تاريخ حياة كل فكرة أو مقولة أو مأثورة علي حدة‏,‏ والأخذ بمبدأ أن أية فكرة أو مقولة أو شعيرة‏,‏ تصبح بلا قيمة تذكر‏,‏ ما لم يتحدد أصلها وفصلها‏,‏ وما طرأ عليها من تغيرات واضافات‏,‏ من عصر لعصر‏,‏ ومن موطن أم لآخر‏.‏
فإذا كان الهدف الأخير لهذه الدراسات في حقل الفولكلور‏,‏ وأخصه الحكايات والقصص وأشلاء الأساطير من خرافيه لطوطمية لشعائرية‏,‏ لتعليمة هو إعادة التعرف علي طفولة وتطور وتحولات المخيلة البشرية‏,‏ بهدف اعادة صايغة الأنسان العربي المتقدم الجديد الذي لابد أن تشكل مثل هذه التركه المتوارثة المتواترة جوهر بنيته الفوقية الثقافية‏,‏ بالمعني المتفق عليه ـ أنثروبولجيا ـ أي بالمعني الحضاري الشامل لكل ممارسة أخلاقية وسلوكية‏,‏ بدءا من شعائر الجماع والطعام والتطهر‏,‏ وانتهاء بالممارسة السياسية علي طول كياناتنا العربية‏,‏ والتي فيها وعبرها تنفجر أقصي طاقات الخلق عبر كل من الفكر والفعل المكتمل والمتحقق في الثورة‏,‏ فحصيلة مثل هذه التركة الفولكلورية‏,‏ ولنقل الماضي الحي‏,‏ ما هو سوي الحياة الواقعية بغلظتها ونبجيياتها وبهيمناتها ومأساويتها في ذات الآن‏.‏
في إعادة الصحوة لسلبيات مثل هذا التراث قبل الايجابيات استيضاح محقق للقوي الدافعة القدرة علي تحويل جدلية الممارسة الحاضرة الي ممارسة اجتماعية واعية مجالها الأخير هو التنمية والتحولات الاجتماعية والتنوير‏.‏
وهو ما حدث بالنسبة للعالم المتحضر‏,‏ شرقا وغربا‏,‏ منذ أن أرتاد الأخوان جريم هذا الحقل‏,‏ أي الفولكلور‏,‏ كنواة علم خاصة في موسوعتهم المعروفة وهي حكايات الأطفال والبيت وكتاب الادا وهنريش المسكين وهي الكتب الثلاثة المهمة التي شهد صدورها مطلع القرن التاسع عشر عصر الصناعة الحديثة المصاحبة للتنوير‏,‏ في الغرب فاللافت أن هذا من الأخوين أعتبرا منذ مطلع القرن الماضي‏,‏ الحكايات الشعبية حطام أساطير‏,‏ أو بقاياها وأشلاؤها المتآخرة‏.‏
وهذا صحيح الي حد كبير‏,‏ فاذا أعتبرنا أن الأسطورة‏,‏ ما هي سوي مرادف الدين‏,‏ والقوي العلوية السماوية لعالم الأرباب‏.‏

والطواطم والألهية‏.‏
ونظرا لحلول الأديان السماوية ـ من يهودية ـ ومسيحية ـ وأسلامية‏,‏ توارث أساطير ما قبل ـ التوحد لعالم الألهة وقواها السماوية‏,‏ ومن هنا تستر الالهة تحت جلد الملوك والحكام ذوي البصيرة الخارة‏,‏ كما يتضح في جانب كبير واضح من حكايات وفابيولات في تراثنا العربي‏.‏
ولئين أعتبرنا الفولكلور صدي للماضي‏,‏ فأنه في ذات الوقت صوت الحاضر المدوي أنه الماضي الحي بوظيفته الأجتماعية والأحتجاجية‏,‏ كأنعكاس معادل للصراع الطبقي وسلاح له كما قال يوري سوكولوف علي أن هذا السلاح‏,‏ سيكون في وصف الثورة مرة‏,‏ وفي وصف الثورة المضادة في معظم المرات‏,‏ ولنقل التوالي التاريخي‏,‏ وتواتر جزئيات هذا التراث المتوارث تحت مختلف المؤثرات والمعوقات سواء أكانت العادة وثقلها‏,‏ أو اللغة وسحرها كوعاء أو علامات كلامية‏,‏ هي في أحسن حالاتها وأحوالها‏,‏ تلعب دور الحارس الماثل علي الدوام‏,‏ في حفاظه علي البنية الأسطورية‏,‏ وبالتالي الخرافية الأستطرادية‏,‏ وأستطرادا للأجتماعية الطبقية وإذا ما جري سريان هذا القانون العام بالنسبة للغة واللغات بعامة فإنه ينطبق‏,‏ بدقة‏,‏ علي لغتنا العربية التي كما نعرف جميعا ـ مكبلة بالأسورة وأعرابها قلبا وقالبا منذ ذلك التاريخ الخرافي‏,‏ المصاحب ليعرب بن قحطان وهو أول من تكلم العربية‏,‏ ويطلق عليه أبي العرب الساميين‏.‏
كما أن من بين عوامل ومؤاترث توالي الأستمرار لصدي الماضي ومخلفاته عبر الحاضر الأني الماثل وما يزخر وينخر فيه من خرافات وخزعبلات الحفاظ علي بقية الأبنية‏,‏ من قرابة أتصالية‏,‏ الي أجتماعية طبقية‏,‏ الي عمودية فئوية عنصرية طائفية الي نوعية تتصل بعلاقات الرجل والمرأة‏,‏ بدءا بالسيادة للذكر‏,‏ مرورا الي الميراث وتربية الأطفال وتنشئتهم‏,.‏ وما هو ما اكتمل في البنية الأسرية‏.‏

أين أختفي الفول المصري
سؤال موجه الي وزارة التموين الي زحمت مجمعاتها السابقة والتي علي أشلائها أقيمت السوبر ماركتز فملأت الشوارع والنواصي والميادين العامة والحواري والدروب المتفرعة ناهيك عن البنادر والقري‏,‏ ليتصدر الفول المستورد المعلب من كل انحاء العالم وبخاصة أمريكا ومأكولاتها الزواتي التي زاحمتنا حتي في الأكلة الشعبية اليتيمة وهي المدمس وفوله من اخضر يطبخ مرة كفولية ومرة كبيصارة واخري كنابت وطعمية وعلم جرا‏.‏
فالفول الذي هو اكلتنا الرئيسية في مصر منذ الفراعنة وربما منذ عصور ما قبل التاريخ كما عثر عليه حفريا أو أركولوجيا مع العدس بنوعيه‏,‏ يتصور البعض أنه لعب دورا معوقا في تأخير الثورة المصرية أو التغيرات الاجتماعية بعامة‏.‏ فهو مسكن يطلق عليه العامة مسمار البطن من كان يتصور أن تدور الأيام دورتها ونحن بلد زراعي نمتلك أعرق دالات أو دلتات الأنهار في العالم القديم‏,‏ لنستورد الفول الأمريكي‏,‏ والعدس وأرز أنكل بينز الكيلو يساوي‏9.5‏ جنيه بدلا من‏1.5‏ جنيه لأرزنا والأمريكي يتهافت علي شرائه الطبقة الجديدة الشرهة البعيدة عن كل ما هو مصري‏,‏ وكذلك بقية الأكلات من فراخ ولاية كنتاكي والهانبورجر والفرانكفورتر نسبة الي فرانكفورت بالمانيا‏,‏ وبيتزا أيطاليا ومكرونتها التي يصل ثمنها الي أضعاف مكرونتنا فقط لأن الايطالية علي رأسها ريشة‏!‏
ولأننا بلد زراعي فلاحي ينذر منه الابتكار‏,‏ فقد أهملنا الكثير من اكلاتنا الشعبية التي استثمرها اليونانيون واسرائيل والقبارصة وكل شعوب وكيانات جزر بحر ايجه‏,‏ مثل الكشك المغلف الذي يملأ أوروبا والملوخية والجبن القديم والمش والبليلة والكسكاس والأخير تقام له المهرجانات الدولية في تونس والمغرب العربي عامة ويعتبر أهم مصدر جذب سياحي واعلامي موسميا‏,‏ لدرجة انهم أنشأو للكسكاس مصانع عملاقة‏,‏ ذات قدور اسمنتية ويجري طبخه أمام عشرات الآلاف من السياح الزائرين‏,‏ بطرق عدة كما هو معروف‏,‏ مرة كحلو بالسكر واللبن والمكسرات وأخري باللحم والفراخ‏,‏ وهذا ما شاهدته بنفسي في عديد من المهرجانات الدولية‏..‏ الأكسبوز‏.‏ ذلك أن الأطعمة الشعبية والمحلية والقومية أصبحت جزءا من المنظومات الثقافية‏,‏ تتباهي بها الدول والأقوام كعناصر جذب سياحي‏,‏ كما شاهدنا في معرض الكتاب الأخير بالقاهرة‏,‏ طعمية سوري بالحمص‏,‏ وطعمية لبناني بالبرغل واخري اردنية‏,‏ وكسكاس مغربي وهكذا‏.‏
زجل منظومة الطعام والمائدة اصبحت عناصر لاجتذاب السياح من جميع انحاء العالم‏,‏ كما هو الحال مع تركيا واليونان والأناظول بعامة علينا مراعاتها والاحتفاء بها وفتح ابواب الابتكار‏,‏ للحد من طغيان الموروث الطعامي منذ الفراعنة حتي اليوم‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق