تابعنا كلنا بالطبع ، منذ أيام، دعوة ذلك القس الأمريكى لحرق نسخ من القرآن الكريم أمام باب كنيسته ، فى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر ، بوصف القرآن كتاب يدعو إلى الإرهاب.
ونتابع فى هذه الأيام الحفل المزمع عقده لتكريم الرسام الدينماركى الذى صور الرسول الكريم فى صور كاريكاتورية شائنة ، وقد لبت المستشارة الألمانية مريكل دعوتها لحضور هذا الحفل.!
قبل موعد إحراق القرآن بيومين ، أرسلتُ رسالة إلى الهيئة العالمية الموقرة للإعجاز العلمى فى القرآن والسنة أحثها فيها على الإسراع بإيفاد مندوبا إلى هذا القس ليهديه ، أمام المحرقة ، وعلى مرأى من عدسات الفضائيات التى تصور الحدث ، بعضا من الكتب التى أثبتت ما فى هذا القرآن العظيم من وجوه إعجازية ، أثبت العلم الحديث ، وهو فى مجمله غربى، صحتها وحقيقة أسبقية هذا الكتاب العظيم إليها قبل إكتشاف صحتها بمئات السنين.!
وناشدت الهيئة أيضا أن تفعل نفس الشئ مع ذلك الرسام الدينماركى ، فتهديه نفس هذه الكتب فى ذلك المحفل على مرأى من ضيوفه وأمام عدسات الفضائيات.
لكنى فوجئت ببعض الأقلام التى تهون من الأمر ، وتعزف على ذات النغمة التى خرجت من أمريكا بأن خليفة رسول الله عثمان بن عفان قد حرق المصحف ، فلما نحرم على القس ما فعله خليفة الرسول الكريم.!؟
فى الهند يحرقون جثث موتاهم ، ولا يدفنوها فى التراب ، ربما لأن الفلاسفة الأقدمين نظروا إلى النار بوصفها ألطف وأطهر العناصر الأربعة المعروفة.. ونحن نفعل نفس الشئ مع أى ورقة مكتوب عليها بعض آيات من القرآن الكريم.!
فلا عثمان بن عفان ، ولا نحن نحرق أوراق القرآن لكراهيتنا إياه.
ولا الهنود يحرقون موتاهم بدافع الكراهية والتنكيل بجثث أحبائهم.
الفعل هو هو ، لكنه يختلف فى دوافعه هنا عن هناك.
المهم .. كانت كل هذه مقدمة لأدعوكم إلى تناول القرآن بنظرة مختلفة غير هذه التى درجنا عليها ... لقد شببنا على دراسات تتناول أوجه الإعجاز اللغوى والبلاغى فى القرآن.
وسعت الهيئة العالمية للإعجاز العلمى فى القرآن الكريم بجهد محمود إلى تشجيع نوع جديد
وعصرى من الأبحاث العلمية التى تنظر فى الإعجاز العلمى لهذا الكتاب الذى أنزله الله منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
وأنا أدعوكم .. أنتم معشر الأدباء بكل ما فيكم من لسعة فن ، وبما فيكم من شغف بكل ما هو جميل أن تنظروا فى القرآن للتأملوا أوجه الفن والجمال فيه ، وتستخرجوها لنا ، وتدلوننا عليها.
واتخذوا القرآن مهجورا.. لطالما توقفت أمام هذه الآية الكريمة فى دهشة وعجب: يا ربى كيف نتخذه ونهجره فى آن.؟
الأخذ ، والهجر فعلان متضادان متعارضان، ولا يتفقان.! .. فكيف يكون هذا.؟
قبيل رمضان الفائت ، ومع أيامه الأولى ، أوشكت أن أحذركم مما تحذرنا منه هذه الآية.. لكنى تهيبت ، وأنا التلميذ ، أن أقعد منكم مقعد الأستاذ.!
فينا من اهتم بختم القرآن أكثر من مرة دون تدبر وبلا تأمل سعيا وراء أن النظر فى القرآن فيه مثوبة ، وهناك مثوبة مع كل كلمة ، بل مع كل حرف ، فقرأناه وختمناه وهجرناه.
هجرناه من حيث لم نتأمل معانيه.
الإكتفاء بمثوبة تلاوته وقراءته ليست متوقعة منكم أنتم.
أنتم مطالبون باستخراج درر إعجازه المخبأة فى معانيه.. عزلها من تلك الآيات التى تزخر بالفن وبالجمال.
القرآن كتاب محبة ، وفن وجمال ، وليس كتاب قتل وكراهية وإرهاب.
قولوا هذا لذلك القس.. لكن كيف ستقولونه.؟
اتخذوه يا سادة دون أن تهجروه.
(أستأذن الألوكة الموقرة فى نسخة من هذه الرسالة إلى مدونة "ثقافة وفن ـ عماد هلال" .. وشكرا.
احترامى وتقديرى
على عبد الباقى