تقد كثير من المصريين والعرب ان مصر تحولت للنظام الجمهوري في 23/7/1952، والحقيقة غير ذلك فقد تم إخراج الملك فاروق وبقي النظام الملكي قائما ممثلا بولي العهد الرضيع أحمد فؤاد ومعه مجلس وصاية ولم تسقط الملكية إلا في أواخر عام 1953، وما بين ليلة الثورة وذلك التاريخ البعيد جرت الأحداث المثيرة التالية.
لم يكن مجلس قيادة الثورة راضيا عن وجود الملك فاروق بالخارج خوفا من أن يتحول لاحقا لمطالب بالعرش كحال ملوك أوروبا ويبدأ في تدبير الانقلابات خاصة ان سنه لم تتجاوز 32 عاما، كما لم يكونوا سعداء بالانتظار في الوقت ذاته 18 عاما كاملة حتى يبلغ الأمير أحمد فؤاد سن الرشد ليتولى العرش وقد يعاقب من بقي منهم أو عائلاتهم على الانقلاب الذي قاموا به.
لذا خطر في بال القائمين على الثورة فكرة الحفاظ على الملكية مع استبدالها بأسرة مالكة عربية تؤسس لحكم عربي في مصر التي لم يتح لها مثل ذلك الحكم منذ قرون عدة كي يجمع الأضداد وينهي الخلاف ويتفق عليه الناس، وهو أمر مشابه لما حدث في سورية 1920 والعراق 1921 والأردن 1921 عندما قبلوا بحكم أمراء عرب قادمين من الجزيرة العربية يلبسون الدشداشة والبشت والغترة والعقال الزري المقصب وكان الملك عبدالعزيز وبعده الملك سعود يلبسان مثل ذلك اللباس العربي المميز والمهيب.
فاتح القائدان محمد نجيب وجمال عبدالناصر رجل الأعمال الكويتي عبدالعزيز المطوع وكيل «فولفو» في مصر والمقيم بالقاهرة، في فكرة استقدام أمير عربي من الكويت ضمن متطلبات ذكراها فسافر المرحوم المطوع للكويت وفاتح الشيخ عبدالله الجابر في الأمر لأسباب عدة منها صلته وزياراته واستثماراته العديدة في مصر وثقافته حيث كان يرأس مجلسي المعارف والمحاكم وما عرف عنه من رحابة صدر وطلة بهية ولباس مميز.
وحسب الرواية التي أوصلتها لنا مصادر موثوقة ضليعة في تاريخ الكويت والمنطقة، فقد فاتح الشيخ عبدالله الجابر الشيخ عبدالله السالم في الأمر فلم يمانع وان لفت نظره لحجم المسؤولية حيث كان ملك مصر يشمل بلدين هما مصر والسودان، وسافر الشيخ عبدالله الجابر إلى مصر، حسب المصدر، حيث أظهرت الصحف صور القائدين نجيب وعبدالناصر إبان استقباله ودارت بينهم محادثات الا ان المشروع لم يستكمل إما لرفض الشيخ عبدالله الجابر أو طبقا لمتغيرات ومستجدات حيث كانت مصر آنذاك حبلى بالأحداث ومحاطة بعدة إشكالات بالداخل والخارج، ففلسطين على الحدود والسودان مقبل على استفتاء والداخل في مرحلة مخاض بعد حل الأحزاب ومنع المظاهرات وتعدد هجمات الجيش البريطاني على مدن القناة.
آخر محطة:
(1) رجعت بعد كتابة المقال الى كتاب سيرة الشيخ عبدالله الجابر الذي كتبته وجمعت مادته حفيدته الشيخة منى وقد وجدت في صفحة 315 وما بعدها انه استقبل استقبالا فاق حدود البروتوكول حيث كان على رأس مستقبليه في المطار اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر ووزير الخارجية محمود فوزي وجمع غفير من كبار رجال الدولة وشيخ الأزهر وزعماء المغرب العربي الموجودون في القاهرة.. الخ.
(2) كانت الكويت آنذاك دولة صغيرة جدا وغير مستقلة والشيخ عبدالله الجابر، رحمه الله، لم يكن حاكما أو وليا للعهد، فلماذا ذلك الاستقبال الباهر وما تبعه من لقاءات عالية المستوى وزيارات لجميع قطاعات الدولة ومؤسساتها العسكرية واهدائه أكبر نيشان في مصر آنذاك والذي لا يهدى إلا لرؤساء الدول ثم إصرار القيادة المصرية على وضع غير مسبوق بروتوكوليا وهو أن يصاحب الشيخ عبدالله الجابر في طريق عودته للكويت بعثة شرف مصرية مرافقة رفيعة المستوى ممثلة بالبكباشي أركان حرب محمد كمال عبدالحميد وحسين يسري من كبار ديبلوماسيي وزارة الخارجية المصرية؟!
(3) لو تم ذلك المشروع لما دخلت مصر حربا قط ولكانت علاقاتها سمنا على عسل مع جميع دول العالم لما عرف عن الشيخ عبدالله الجابر من دماثة خلق ولما انفصل السودان آنذاك بل لتوحدت مع مصر كثير من الدول العربية الأخرى ولأصبحت جنة الله في أرضه بحق.
عن جريدة الانباء الكويتية
بقلم سامى النصف الاحد 2 أكتوبر 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق