مرة أخري نعاود الحديث للتعرف علي هذا العلم الغائب عن تراثنا مصريا وعربيا وهو علم الاثنوجرافيا واختصار الاثنيات فهو العلم الذي أوشك أن يلقي بالفلكلور والمأثورات الشعبية بعامة في زوايا النسيان نظرا لتجاوزه للأنشطة والممارسات التي يوليها الفلكلور اهتمامه من ذلك التغلغل والتوسع في دراسة المجتمعات والكيانات والعرقيات المتلاطمة والمتلاحقة عرقيا ودينيا وعقائديا, كما هو الحادث بشبه القارة الهندية وباكستان, أنه علم الحضارة أو العلم الذي يولي اهتمامه بالحضارة علي مختلف أبعادها وأنشطتها من تقنيات سائدة وموروثات وأزياء وأغطية رأس وقياسات مختلفة للظل والنور ودرجات الحرارة والعادات المتأصلة والألوان المحببة والطيور والحيوانات والنباتات.. إلخ, أي كل ما يتصل بما هو سائد داخل أي كيان أو حقل يعن للباحث دراسته فنحن كشعوب نامية أحوج إلي هذا العلم بهدف الوصول إلي فتح أسواق جديدة فكيف يمكن مثلا المتاجرة وفتح أسواق للمنتجات المصرية داخل البلدان والكيانات. والعرقيات المختلفة والمتآخمة لنا في قارتنا دون التعرف علي طبيعة ومكونات ومناخات هذه الكيانات والدول والأقوام ودراستها دراسة كافية, خاصة إذا كانت قارتنا السمراء تزدحم بالآلاف من القبائل والعصبيات والأجناس المتطاحنة سواء تلك التي تقاسمنا الحياة علي طول مجري النيل أو القرن الافريقي, بالإضافة إلي غرب افريقيا وشمالها ووسطها ونفس الشيء يسري بالنسبة لآسيا وحوض المتوسط وحتي الهضبة الأناضولية التي يعتبرها الاثنوجرافيون منجما لتطبيقات هذا العلم, من هنا فهو علم مفلازم لأي دبلوماسية حديثة ومعاصرة وهو ما سبق حدوثه بالنسبة للغرب الامبريالي متضامنا مع العالم الحديث أو الأمريكتين منذ الرحالة القدماء وكما ذكرنا, هيردوت ويلوتارخ والعشرات غيرهما لحين مجيء رحلات الاستكشافات الملازمة للعصر الحديث مثل رحلات المستشرقين.. وكابتن كوك الذي جمع معلوماتها وأدواتها الاثنية من شبه القارة الهندية حتي الشرق الأقصي إلي أوروبا التي لم تكن تعرف شيئا عن طبائع ومنتجات هذه البلدان والكيانات ومنتجاتها مثل الأعشاب والبهارات والعطارة بأنواعها من شطة وكمون وحناء وينسون وعين العفريت والبخور وكل منظومة العطارين الشعبية التي افضت إلي الطب الحديث وكذلك منظومة الطعام والأزياء والمنسوجات من حرير وكتان وكشمير وكل ما يتعلق بالأطعمة والأمراض المتوطنة والحرف التقليدية وهكذا أعاد كابتن كوك سفينة نوح محملا إلي أوروبا والغرب بدوره التنافسي بما يفتح شهية الاستعمار وفتح الأسواق مما دفع بريطانيا إلي تأسيس شركة الهند الشرقية وبدأ الدور الاستعماري كما نعرفه والذي لم تبرأ منه بلادنا بلا استثناء من استعمار فرنسي وبريطاني وأسباني وايطالي لم تنته فلوله بعد, طمعا في صراع السوق والتسابق لتحقيق أقصي المنافع وهناك أكثر من مثل للكيفية التي استعمرت بها بلادنا سواء بالنسبة لمغامرات لورانس العرب أو رحلة الرحالة الشهير الاثنوجرافي ادوار وليم لين إلي مصر والذي واصل تغلغله داخل الأحياء الشعبية بتجميع وتدوين كل ما يصادفه من أشعار ومواويل ورقص وحواه مواصلا طوفه من الأسكندرية حتي أسوان يرصد ويصور بكاميرا بدائية يكاد يكون أسهم في تطويرها بالإضافة إلي أنه كان رساما يرسم ويصور القري والمدن والنجوع وفيضان النيل ودرجات الظل والنور والحرارة والرطوبة والمحاصيل السائدة والخرافات إلي أنه وصل قصر محمد علي باشا وكان يجيب علي كل من يسأله ولماذا جئت إلي مصر؟ يقول له: جئت إلي مصر لأقتبس وأرصد كل ما تصادفه عيني وتسجله كاميرتي والريشة ثم عاد لين إلي أنجلترا بهذه المحصلة من المعلومات الاثنية وقدمها للهيئة الملكية التي كانت تنوي رعايته لدراسة الشرق القديم برمته مما أسهم في فتح الطريق للاستعمار الانجليزي لمصر وبقية الفتوحات للامبراطورية الكبري بل إن نفس الدور قامت به فرنسا بونابرت والعلماء الاثنان والأربعون علماء اثنوجرافية مبحرين من اللغات
واللهجات والمصريات نذكر منهم البارون لاري كبير الجراحين الفرنسيين الذي درس البنية الجسدية للمصريين وهناك فيتنو المتخصص في الموسيقي الشرقية والعشرات غيرهم الذين انجزوا تلك الانكلوبيديا وكتاب وصف مصر الذي استغرق العمل به منذ1809 حتي1822 أو الذين انقطعوا لدراسة كل مناحي الحياة في مصر من مظاهر الموالد والاخذ بالثأر والاحتفالات السائدة والاعياد وتابوهات الطعام وطرق دفن الموتي والمكاييل والمعمار والامراض المتوطنة وفرقة الاغاني وسحرة الثعابين بل هذه الموسوعة العملاقة عن مصر في تلك الفترة لاتزال الي اليوم في مسيس الحاجة الي اعادة دراستها وتفهمها بما قد يسهم في اثراء الحياة في بلادنا اليوم وغدا. من هنا يتضح مدي التزاوج الوثيق بين الانثوجرافيا وبين الدبلوماسيه المعاصرة الحديثة التي من اهدافها تعبيد الطريق سواء للسياسة أو التجارة أو الاستثمار.
المناهج الأدبية والفلوكلور المناهج الدراسية الأدبية التي مازالت إلي أيامنا تنظر للفولكور علي انه مجرد اجتهادات ادبية لغوية أقرب منها إلي اي شيء آخر مثل جماليات الشعر الشعبي بأنماطه المختلفة من أشعار مصاحبة للعمل واحتفالات الولادة والزواج وأشعار المراثي المتصلة بالموت والغياب والنظرة نفسها تسري علي الفنون البصرية من تشكيل ومعمار وممارسات للتصوير الحائطي والنحت الشعبي لعروسة المولد والحصان والوشم وفنون السفاري عزيزة وخيال الظل المندثرة, وكذا مايتصل بالسير والملاحم المطولة.
هذه المناهج التي عفي عليها الزمن, مع تغيير النظرات وحلول مناهج اكثر جدية وعلمية في تناول علم الفولكلور والاثنوجرافيا كعلم أصبح له أهمية كبري في التعرف علي آفاتنا وسلبياتنا بالإضافة إلي الاسهام في دراسة الأسواق والتكتلات الاقتصادية والتجارة من من محلية لدولية بعامة.
فالنظر للفولكلور اليوم باعتباره ماضيا حيا أو النظر إليه باعتباره ثقافة منحدرة من عصور قديمة أو بقايا مخلفات تواصل توالدها الذاتي وفرض سلطانها تحت تأثير العادة والثورات وغياب العقل في مجتمعات ماقبل العقل والعلم وهذا كما هو واضح يستلزم الاتجاه نحو علم الاجتماع وبالتحديد نحو علم الاجتماع البنائي ومايستتبعه هذا من تحليل بنائي, أي فهم الظاهرات والعلاقات الاجتماعية عن طريق الاستعانة بالنماذج الفولكلورية سواء تلك التي توصلت إلي جمعها. |
مقال جميل شكرا على المشاركة .. واضح إني كنت أجهل تماما إن في علم اسمه الإثنوجرافي و كنت متخيل إن الحاجات دي كلها تندرج تحت علم الأنثروبولوجي .. اليومين دول أنا مهتم بالفلكلور الموسيقي الأوروبي و الروسي لكن المقال بيشجعني إني أتعمق أكتر في الفلكلور المصري بشكل خاص .. بس أقدر ألاقي مقالات و كتب أخرى لخالو شوقي فين؟
ردحذفطارق طنطاوي