ثنائية الحياة والموت فى رواية ضريح الكمانات للروائي اسامة الزينى
تتجلى ثنائية الحياة والموت في رواية " ضريح الكمانات " للروائي اسامة الزينى ، ومنذ اللحظة الأولى تشعر وكأنك تسبح داخل رحلة الى عالم الحياة والموت بكل اشكاله المادى والمعنوى بمايصاحبه هذا الشعور من عذابات للنفس .
عذابات لفقد الأخ الأكبر بموته ، اخ أكبر أشعل طاقات النفس وشحنها لتنطلق الى فضاءات الفقد ، اخ أكبر لعب الدور الأساسى في حياة الراوئى " اسامه الزينى " فكان " زوربا " الحكيم والمعلم ، وكان الثائر "جيفارا " الخاص به - ان كان لكل منا ثائره الخاص - يراه كلما التقاه ثائر علي العادات البالية وعلى المدعين من البشر للبطولات الزائفة .
انظر كيف ينعي اسامه الزينى موت الأخ الأكبر فى إهدائه بوصفه انه نصفه الذى مات ،فالتوحد بينه وبين اخوه الأكبر كان كبيراً .. وريداً بدأ يشعر أن جزء منه قد اقتطع
إليك ..ه
الى وجهك حولى فى كل مكان
الى نصفى الذى مات .
وتتواصل سلسلة الفقد عند اسامه الزينى بفقد الأب فى سن مبكرة .
فقد الحبيبة بالعباد
فقد الجد عندما غيبه الموت
فقد الصديق بالسجن
ثم يأتي الفقد الأكبر وهو فقد الوطن املا فى ان يكون المعادل الموضوعى لهذه السلسلة من الفقد بالاغتراب فى داخله رغم انه جزء منه فتنحسر الروح وتتمزق النفس خاصة وان كانت هذه المشاعر والأحاسيس لشاعر من فصيلة أصحاب الجلد الناعم فتكون الألآم مضاعفة والمعاناة أشد ، والنفس هائمة ثم ينتقل الى الاغتراب بالجسد فى احدى الدول العربية لتكتمل منظومة الاغتراب فى الداخل والخارج ، بالروح وابالجسد .
كل هذا يحدث بالرغم من توافر الأسرة والعائلة الكريمة والمال ..لكن هيهات أن يكون فى هذا حل المعادلة أو يغير من المعاناة شئ لمن يبغون العادلة والحب والأمان .
انه المقدر والمكتوب
وبما أن الرواية الذاتية ( نسبة الى الذات ) سرد له لغته الخاصة ، سرد ينتمى للخطاب الفلسفى ، فهو خطاب سردى يحيلنا بالضرورة الى متقابلة أو ما يعرف بالازدواج الفلسفى ( الحياة - الموت ) لخطاب ذاتى /موضوعى / نسبى / مطلق وهكذا خطاب سهل لكنه مستعصي لا يتولد عنه سوى الغموض ليأخذك من مشكل الى ما هو أشكل ، ذلك اننا ننطلق من مشكل البث فى طبيعة العلاقات بين الطرفين للشخصيات داخل الرواية الى طرح مسائل جديدة أكثر التباسا من حد العلاقة ذاتها ، فيحدثنا الراوى الضمني والذى يهيمن على حركة السرد بضمير الغائب ، والكاشف للحدث والمتتبع لتطور الشخصيات ومواقفها ، وبنبرة دائما تنم عن حزن دفين يملئ القلب ويقاسى من مرارة النفس ، فأحلامه ( الحب ) تذوب مثل كرة الثلج من بين أصابعه ، وأساطيره القومية تنهار وتتصدع .
ويحدثك هذا الراوى الضمنى عن الموت فيقول " الموت لا يأتي بما نريد ، ولا على مانريد ..الموت شئ أخر غير ما نفهم ونعى .. الموت حياة أخرى .. عالم أخر لم يكن يدور بخلدنا ..فالجميع يظنون الأن أننا فى هذه الحفرة تحت التراب ممددين فى الظلمات التى أفقنا عليها بعد أن غادرونا ونفضوا أيديهم من غبارنا ، وكنا نحن ايضا نظن ذلك ، حتى أن بعضهم يوصى بأن يدفن مع هذا أو ذاك من أهله وأ قاربه ، لا أحد يدرك أن الموت شئ أخر " انه خطاب ازدواج فلسفى بجداره ويسلمك من مشكل الى ماهو أشكل ، من مشكل الموت الى أشكالية ما هو الموت ، الموت عند أسامه الزينى شئ أ خَر .
ويحدثنا أسامه الزينى فى الجزء الثاني من روايته " ضريح الكمانات " والمعنون " برائحة ما " وفى صفحة ١٩ ايضا عن الموت ولكن هذه المرة على لسان الراوى الأساسى " لم أكن أتصور أبداً أن الموت فى بعض وجوهه ومعانيه يعنى الحياة كما لم ندركها من قبل " انه الازدواج الفلسفى ، أو ثنائية " الموت والحياة " عند أسامه الزينى .
يحدث هذا حين يلملم الراوائى " اسامه الزينى " المهمل ، والبسيط ، المهم والغير مهم ليكشف لنا من خلال خطابه السردي عن الجوهر وعن الضوء / والظلام / - الغياب والمستقر / المتحرك / والثابت .
فى رواية " ضريح الكمانات " للروائي أسامه الزينى يتوحد النور بكل رمزياته بالحياة
ويتوحد الظلام ايضاً بكل معانيه بالموت ، والكلمة لديه هى المصدر للنور ، وهى العين التى ترى وتنظر داخل الرواية على مدار قرائتها .يقول
" في غياب منى أستبدل شرفتى التى أصبح دخولى اليها مغامرة غير محسوبة العواقب ببيت أخى محمد ووالدتى الذى أصعد عليه الدرج الفاصل بيننا ، الدرج الذى لم يفقد جاذبيته لى يوماً ، بيت أمى وأخى وجهتى الاولى فى الحياة ، بعدما أصبحت شرفة منى الخالية عذابى ،وكانت فى الامس مسرحي الأثير الذى شاهدت عليه أجمل عروض مونودراما بطلتها صغيرتي الشجاعة التى تحدث جميع من حولها ، ووقفت ترسل نظرات ذكية مشاغبة تلمع بريق العشق الى شرفة ابن جيرانهم الجدد "
توحد النور " الحب " بكل رمزياته وبرائته فى هذا الحب ، حب بنت الجيران من شرفة منزل الأخ والام ، المسرح الأثير الذى يشاهد عليه اجمل عروض المنولودراما ، كما يروى الراوى الضمنى ، نظرات مشاغبة ذكية مع بريق عينين .
ثم يواصل " الجميع أغضبهم عرض مونودراما الشرفة .. عروض المونودراما لاتجد من يؤمن بها فى بلادنا ، لا أحد يسمح لك بأن تقف وحيداً على المسرح يتحدث منفرداً " ينتقل اسامه الزينى للحظة توحد للظلام ظلام العقول لدرجة الغضب لان عروض مونولودراما الحب لاتجد من يؤمن بها فى بلادنا ..هكذا يتصارع الظلام والنور فى رواية اسامه الزينى ، انه نحيب الكمان .
كما تظل الرواية تطرح حزم من الضوء وترسل خيوطها على الفكرة الشائكة ( الموت - الحياة ) لتجسد من خلال الرواية تحدياً لمعانقة ( الزمان ) ( المكان ) معاً بقوة فى حراك مستمر لقدر التاريخ والضمير الانسانى الذى يغلّفه الروائى اسامه الزينى بالبوح الذاتى دون التواء فج أوعبث ، وهاهو الراوى الضمنى يحدثنا عن رحيل مبارك " فرعون مصر
" فى غرفتنا بفندق جولى فيل فى شرم الشيخ المفضل لدى فرعون مصر الراحل مبارك ، جلست أنا ومنى مساء الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ نتأكد بنفسنا من أن مبارك رحل الى غير رجعة بوجه عهده القبيح الذى جعل من بلادنا عاهرة يؤجرها للغرباء " ليرسل خيوط ضوئية تعلن عن رحيل عهد قبيح دون أى التباس ، ولكن يسقط الضوء بشعاعه على نفس اللحظة ليظهر أنها وقعت في يد فرعون أخر اعتلى الصولجان فى إشارة واضحة الى حقبة حكم الاخوان المسلمين
فيقول بروح الحكمة التى أنتجتها التجارب " حين تسلم رقبتك لأقرب قادم لاتعرف هويته يصبح الاختيار انتحاراً " قلت منتقداً انتخاب منى وبعض صديقاتها للحاكم الاخواني ، بعد أيام من سقوطه .
ويظل هذا الضوء مصاحباً كماناته ليسقط على الأشياء والأماكن ونفوس البشر ليميزه ويفضحه ، ويسير داخل النفوس فيثبرها ، وبقدر قدرته على النفاذ فى الأشياء والنفوس يخرج معانيها ومعاناتها ليتجلى بوضوح الى الخارج أو فى ضريح الكمانات .
ولا ينسى الراوئى أسامه الزينى روح الرومانتيكية ليستعيدها فى ظل أحداثه ،ويتذكر شرفة الأحلام ويد حبيته التى كانت تُمسح على شعره لتوقظ جنونه الشعرى .
فتاة تفتح الشباك
لهذا الضوء أوقات قبيل الفجر
وصمت الشارع الريفى
ولون الشرفة الوردي
وضوء البنت والمصباح
أهذا حلمك الاخرس ؟
فتاة تفتح الشباك
تشير إليك
وأنت تحبها والليل بينكما
يشد سواده عينيك
المكان
المكان عند اسامه الزينى لا عب أساسي المدينة بما تتضمنها شوارعها وطرقها وحوريها ومساجدها وبيت الثقافة والحى الذى ولد فيه ولعب فى متنزهاته الحى " حى " الملاحه حيث منازل عائلات أل هلال ومعتوق عائلته لامه وأبيه ، ويتحدث أسامه الزينى عن منزلهم الصغير الأحب الى قلبه الكائن بحى الملاحة " كنّا أربعة لم نعرف لنا خامساً فى هذا العالم ، .. أنا ومى وأبى وأخى محمد ، كان عددنا قليلاً ومنزلنا هادئاً ساكناً دائماً نؤنس وحشتنا بالحب فى منزلنا الصغير المطل على فضاء حديقة حى الملاحة الأخضر بمدرجات متنزهه العملاق وسحاته الواسعة المغطاة بطباقات النجيل الأخضر تتدفق من جوانبها مياه الرى بين الحين والحين وتفوح منه رائحة الطين والعشب الأخضر ،وأشجاره الضخمة العتيقة ، ومشتل أزهاره الذى لم يكن يعجزنا ونحن صغار أن تتسلل من بين أسلاكه الى الداخل لقطف الورد البلدى .." من الواضح ان هذا الحى لعب فى وجدان الراوئى والشاعر أسامه الزينى دور أساسى يظهر هذا بوضوح من وصفه ولغته الشاعريه على طول الرواية .
ويأسف الروائى اسامه الزينى على تدمير هذا الحى وكأنه يتحدث عن مصر كلها ،فيشرح على لسان اخوه محمد " جيفارا " والذى يتناص مع جده جيفارا ال هلال " كان أخى محمد يحدثنى طويلاً عن الجد عبد الحكيم جيفارا ال هلال الذى تحول حى الملاحة اثر وفاته الى جبل من الأسمنت ، بعد تجريف المنتزه الكبير بأليات البلدية ، وإقامة عمائر سكنية على جثة المشتل وأنقاض المدرجات والساحات الخضراء والأشجار التى اقتلعتها المناشير الكهربائية فى جراحة استئصال جائرة لرئتي مدينتنا القديمة " .. ليلخص فى بساطة ويسر ولغة راقية مشكلة مدينته التى ولد بها وكأنه يصف حال مصر كلها عندما اقتلعوا كل جمال فى مدنها بالمناشير وليزرعواالقبح والدمامة ، ويظل أسامه الزينى ينطلق من هذه المدينة وحى الملاحة لعوالم أماكن أخرى فى الداخل والخارج يسلط عليه الضوء بما تحمله من مشكلات إنسانية ، ثم يعود لمكانه الأساسى حيث الحب والمعاناة ، وفى كل مرة يرصد مكانه الأساسى والمحلى يبنيه ويكونه ثم يهدمه خلفه لينطلق منه لأماكن أخرى ولفترات قصيرة أو طويلة ، ثم يعود ليبنى مكانه الأساسى حيث المستقر ، ولكن بناء جديد ، فنرى نماذج جديدة وشخصيات جديدة ربما تكون نفس الشخصيات ليسلط عليها الضوء ، لكنه ليس بالضرورة نفس الضوء المسلط عليها فى كل مرة ، انه التغيير والصيرورة التى يرصده أسامه الزينى بدقة تفاصيله .
قرأه نقدية لرواية " ضريح الكمانات " للروائي اسامه الزينى – دار النسيم القاهرة
عماد عبد الحكيم هلال
-------------------------------
٢٠/١/٢٠١٧
تتجلى ثنائية الحياة والموت في رواية " ضريح الكمانات " للروائي اسامة الزينى ، ومنذ اللحظة الأولى تشعر وكأنك تسبح داخل رحلة الى عالم الحياة والموت بكل اشكاله المادى والمعنوى بمايصاحبه هذا الشعور من عذابات للنفس .
عذابات لفقد الأخ الأكبر بموته ، اخ أكبر أشعل طاقات النفس وشحنها لتنطلق الى فضاءات الفقد ، اخ أكبر لعب الدور الأساسى في حياة الراوئى " اسامه الزينى " فكان " زوربا " الحكيم والمعلم ، وكان الثائر "جيفارا " الخاص به - ان كان لكل منا ثائره الخاص - يراه كلما التقاه ثائر علي العادات البالية وعلى المدعين من البشر للبطولات الزائفة .
انظر كيف ينعي اسامه الزينى موت الأخ الأكبر فى إهدائه بوصفه انه نصفه الذى مات ،فالتوحد بينه وبين اخوه الأكبر كان كبيراً .. وريداً بدأ يشعر أن جزء منه قد اقتطع
إليك ..ه
الى وجهك حولى فى كل مكان
الى نصفى الذى مات .
وتتواصل سلسلة الفقد عند اسامه الزينى بفقد الأب فى سن مبكرة .
فقد الحبيبة بالعباد
فقد الجد عندما غيبه الموت
فقد الصديق بالسجن
ثم يأتي الفقد الأكبر وهو فقد الوطن املا فى ان يكون المعادل الموضوعى لهذه السلسلة من الفقد بالاغتراب فى داخله رغم انه جزء منه فتنحسر الروح وتتمزق النفس خاصة وان كانت هذه المشاعر والأحاسيس لشاعر من فصيلة أصحاب الجلد الناعم فتكون الألآم مضاعفة والمعاناة أشد ، والنفس هائمة ثم ينتقل الى الاغتراب بالجسد فى احدى الدول العربية لتكتمل منظومة الاغتراب فى الداخل والخارج ، بالروح وابالجسد .
كل هذا يحدث بالرغم من توافر الأسرة والعائلة الكريمة والمال ..لكن هيهات أن يكون فى هذا حل المعادلة أو يغير من المعاناة شئ لمن يبغون العادلة والحب والأمان .
انه المقدر والمكتوب
وبما أن الرواية الذاتية ( نسبة الى الذات ) سرد له لغته الخاصة ، سرد ينتمى للخطاب الفلسفى ، فهو خطاب سردى يحيلنا بالضرورة الى متقابلة أو ما يعرف بالازدواج الفلسفى ( الحياة - الموت ) لخطاب ذاتى /موضوعى / نسبى / مطلق وهكذا خطاب سهل لكنه مستعصي لا يتولد عنه سوى الغموض ليأخذك من مشكل الى ما هو أشكل ، ذلك اننا ننطلق من مشكل البث فى طبيعة العلاقات بين الطرفين للشخصيات داخل الرواية الى طرح مسائل جديدة أكثر التباسا من حد العلاقة ذاتها ، فيحدثنا الراوى الضمني والذى يهيمن على حركة السرد بضمير الغائب ، والكاشف للحدث والمتتبع لتطور الشخصيات ومواقفها ، وبنبرة دائما تنم عن حزن دفين يملئ القلب ويقاسى من مرارة النفس ، فأحلامه ( الحب ) تذوب مثل كرة الثلج من بين أصابعه ، وأساطيره القومية تنهار وتتصدع .
ويحدثك هذا الراوى الضمنى عن الموت فيقول " الموت لا يأتي بما نريد ، ولا على مانريد ..الموت شئ أخر غير ما نفهم ونعى .. الموت حياة أخرى .. عالم أخر لم يكن يدور بخلدنا ..فالجميع يظنون الأن أننا فى هذه الحفرة تحت التراب ممددين فى الظلمات التى أفقنا عليها بعد أن غادرونا ونفضوا أيديهم من غبارنا ، وكنا نحن ايضا نظن ذلك ، حتى أن بعضهم يوصى بأن يدفن مع هذا أو ذاك من أهله وأ قاربه ، لا أحد يدرك أن الموت شئ أخر " انه خطاب ازدواج فلسفى بجداره ويسلمك من مشكل الى ماهو أشكل ، من مشكل الموت الى أشكالية ما هو الموت ، الموت عند أسامه الزينى شئ أ خَر .
ويحدثنا أسامه الزينى فى الجزء الثاني من روايته " ضريح الكمانات " والمعنون " برائحة ما " وفى صفحة ١٩ ايضا عن الموت ولكن هذه المرة على لسان الراوى الأساسى " لم أكن أتصور أبداً أن الموت فى بعض وجوهه ومعانيه يعنى الحياة كما لم ندركها من قبل " انه الازدواج الفلسفى ، أو ثنائية " الموت والحياة " عند أسامه الزينى .
يحدث هذا حين يلملم الراوائى " اسامه الزينى " المهمل ، والبسيط ، المهم والغير مهم ليكشف لنا من خلال خطابه السردي عن الجوهر وعن الضوء / والظلام / - الغياب والمستقر / المتحرك / والثابت .
فى رواية " ضريح الكمانات " للروائي أسامه الزينى يتوحد النور بكل رمزياته بالحياة
ويتوحد الظلام ايضاً بكل معانيه بالموت ، والكلمة لديه هى المصدر للنور ، وهى العين التى ترى وتنظر داخل الرواية على مدار قرائتها .يقول
" في غياب منى أستبدل شرفتى التى أصبح دخولى اليها مغامرة غير محسوبة العواقب ببيت أخى محمد ووالدتى الذى أصعد عليه الدرج الفاصل بيننا ، الدرج الذى لم يفقد جاذبيته لى يوماً ، بيت أمى وأخى وجهتى الاولى فى الحياة ، بعدما أصبحت شرفة منى الخالية عذابى ،وكانت فى الامس مسرحي الأثير الذى شاهدت عليه أجمل عروض مونودراما بطلتها صغيرتي الشجاعة التى تحدث جميع من حولها ، ووقفت ترسل نظرات ذكية مشاغبة تلمع بريق العشق الى شرفة ابن جيرانهم الجدد "
توحد النور " الحب " بكل رمزياته وبرائته فى هذا الحب ، حب بنت الجيران من شرفة منزل الأخ والام ، المسرح الأثير الذى يشاهد عليه اجمل عروض المنولودراما ، كما يروى الراوى الضمنى ، نظرات مشاغبة ذكية مع بريق عينين .
ثم يواصل " الجميع أغضبهم عرض مونودراما الشرفة .. عروض المونودراما لاتجد من يؤمن بها فى بلادنا ، لا أحد يسمح لك بأن تقف وحيداً على المسرح يتحدث منفرداً " ينتقل اسامه الزينى للحظة توحد للظلام ظلام العقول لدرجة الغضب لان عروض مونولودراما الحب لاتجد من يؤمن بها فى بلادنا ..هكذا يتصارع الظلام والنور فى رواية اسامه الزينى ، انه نحيب الكمان .
كما تظل الرواية تطرح حزم من الضوء وترسل خيوطها على الفكرة الشائكة ( الموت - الحياة ) لتجسد من خلال الرواية تحدياً لمعانقة ( الزمان ) ( المكان ) معاً بقوة فى حراك مستمر لقدر التاريخ والضمير الانسانى الذى يغلّفه الروائى اسامه الزينى بالبوح الذاتى دون التواء فج أوعبث ، وهاهو الراوى الضمنى يحدثنا عن رحيل مبارك " فرعون مصر
" فى غرفتنا بفندق جولى فيل فى شرم الشيخ المفضل لدى فرعون مصر الراحل مبارك ، جلست أنا ومنى مساء الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ نتأكد بنفسنا من أن مبارك رحل الى غير رجعة بوجه عهده القبيح الذى جعل من بلادنا عاهرة يؤجرها للغرباء " ليرسل خيوط ضوئية تعلن عن رحيل عهد قبيح دون أى التباس ، ولكن يسقط الضوء بشعاعه على نفس اللحظة ليظهر أنها وقعت في يد فرعون أخر اعتلى الصولجان فى إشارة واضحة الى حقبة حكم الاخوان المسلمين
فيقول بروح الحكمة التى أنتجتها التجارب " حين تسلم رقبتك لأقرب قادم لاتعرف هويته يصبح الاختيار انتحاراً " قلت منتقداً انتخاب منى وبعض صديقاتها للحاكم الاخواني ، بعد أيام من سقوطه .
ويظل هذا الضوء مصاحباً كماناته ليسقط على الأشياء والأماكن ونفوس البشر ليميزه ويفضحه ، ويسير داخل النفوس فيثبرها ، وبقدر قدرته على النفاذ فى الأشياء والنفوس يخرج معانيها ومعاناتها ليتجلى بوضوح الى الخارج أو فى ضريح الكمانات .
ولا ينسى الراوئى أسامه الزينى روح الرومانتيكية ليستعيدها فى ظل أحداثه ،ويتذكر شرفة الأحلام ويد حبيته التى كانت تُمسح على شعره لتوقظ جنونه الشعرى .
فتاة تفتح الشباك
لهذا الضوء أوقات قبيل الفجر
وصمت الشارع الريفى
ولون الشرفة الوردي
وضوء البنت والمصباح
أهذا حلمك الاخرس ؟
فتاة تفتح الشباك
تشير إليك
وأنت تحبها والليل بينكما
يشد سواده عينيك
المكان
المكان عند اسامه الزينى لا عب أساسي المدينة بما تتضمنها شوارعها وطرقها وحوريها ومساجدها وبيت الثقافة والحى الذى ولد فيه ولعب فى متنزهاته الحى " حى " الملاحه حيث منازل عائلات أل هلال ومعتوق عائلته لامه وأبيه ، ويتحدث أسامه الزينى عن منزلهم الصغير الأحب الى قلبه الكائن بحى الملاحة " كنّا أربعة لم نعرف لنا خامساً فى هذا العالم ، .. أنا ومى وأبى وأخى محمد ، كان عددنا قليلاً ومنزلنا هادئاً ساكناً دائماً نؤنس وحشتنا بالحب فى منزلنا الصغير المطل على فضاء حديقة حى الملاحة الأخضر بمدرجات متنزهه العملاق وسحاته الواسعة المغطاة بطباقات النجيل الأخضر تتدفق من جوانبها مياه الرى بين الحين والحين وتفوح منه رائحة الطين والعشب الأخضر ،وأشجاره الضخمة العتيقة ، ومشتل أزهاره الذى لم يكن يعجزنا ونحن صغار أن تتسلل من بين أسلاكه الى الداخل لقطف الورد البلدى .." من الواضح ان هذا الحى لعب فى وجدان الراوئى والشاعر أسامه الزينى دور أساسى يظهر هذا بوضوح من وصفه ولغته الشاعريه على طول الرواية .
ويأسف الروائى اسامه الزينى على تدمير هذا الحى وكأنه يتحدث عن مصر كلها ،فيشرح على لسان اخوه محمد " جيفارا " والذى يتناص مع جده جيفارا ال هلال " كان أخى محمد يحدثنى طويلاً عن الجد عبد الحكيم جيفارا ال هلال الذى تحول حى الملاحة اثر وفاته الى جبل من الأسمنت ، بعد تجريف المنتزه الكبير بأليات البلدية ، وإقامة عمائر سكنية على جثة المشتل وأنقاض المدرجات والساحات الخضراء والأشجار التى اقتلعتها المناشير الكهربائية فى جراحة استئصال جائرة لرئتي مدينتنا القديمة " .. ليلخص فى بساطة ويسر ولغة راقية مشكلة مدينته التى ولد بها وكأنه يصف حال مصر كلها عندما اقتلعوا كل جمال فى مدنها بالمناشير وليزرعواالقبح والدمامة ، ويظل أسامه الزينى ينطلق من هذه المدينة وحى الملاحة لعوالم أماكن أخرى فى الداخل والخارج يسلط عليه الضوء بما تحمله من مشكلات إنسانية ، ثم يعود لمكانه الأساسى حيث الحب والمعاناة ، وفى كل مرة يرصد مكانه الأساسى والمحلى يبنيه ويكونه ثم يهدمه خلفه لينطلق منه لأماكن أخرى ولفترات قصيرة أو طويلة ، ثم يعود ليبنى مكانه الأساسى حيث المستقر ، ولكن بناء جديد ، فنرى نماذج جديدة وشخصيات جديدة ربما تكون نفس الشخصيات ليسلط عليها الضوء ، لكنه ليس بالضرورة نفس الضوء المسلط عليها فى كل مرة ، انه التغيير والصيرورة التى يرصده أسامه الزينى بدقة تفاصيله .
قرأه نقدية لرواية " ضريح الكمانات " للروائي اسامه الزينى – دار النسيم القاهرة
عماد عبد الحكيم هلال
-------------------------------
٢٠/١/٢٠١٧
السلام عليكم، اريد نسخة مطبوعة من هذه الرواية اذا امكن؟
ردحذف