الجمعة، 24 يوليو 2015

البندقية .. قصة قصيرة

                          البندقية
كانت العاصفة تهب من كل اتجاه ، واصفر الجو مثل وجه عليل ينتظر الموت ، نظر حوله ولم يرى احد من اخوانه قريب منه
احتضن بندقيته بعد ان عدل لتامة الاسود جيدا حول راسه ووجهه، وامسك بلحيته الطويلة السوداء ، وركن ظهره على ما تبقى من اثار لجدار منزل كان يضم اسرة فرت من نيران الحرب ، تاركه قريتها فى السهل حيث مدارس الاولاد وساحات ملاعبهم ، التى كانوا يحلقون بها مثل طيور الماء ، قبل ان تهب عليهم الغربان ، غربان تنوح باسم  الامارة الاسلامية التى كان احد افرادها .
فتح عينيه المرهقتان على صوت بندقيته التى يحتضنها كطفل برئ نائم فى حضن والده .
-  اكره هذه اليدين التى تحتضني فى حب كاذب ، كم اود ان اهرب منهما ، او حتى تحطمنى عجلات مدرعة تمر علينا ، انت نائم وتحتضنى بهذه اليدين التى ارى فيها بوضوح كثير من شوائب الخسه ، كما ارى فى مكان نور عينيك الكذب  والخيانة .
- فزع مما سمعه وصرخ هل جننتى ، من امرك بالكلام الان حتى تسمعينى من فمك هذا الهراء ، انت معى لا حول لك ولا قوة ، انا من احملك على كتفى ليل نهار ، ادللك ، وانظفك ، واحشو احشائك بالبارود ، ولا اتركك من بين يدى الا فى وقت صلاتى  وعبادتى .
- صلاتك ..!
تضعنى امامك عند الصلاة ، وتظل تحملق فى بعينيك  الجامدتين كانهما مصنوعتين من الرصاص ، معتقدا انك لن تسطيع ان تضئ المنزل الا بإشعال النيران فيه ، هكذا هى روحك وانت تصلى  ، واظل انتظر على من ستفرغ ما فى حلقي من رصاص ،بعد انتهائك من منها ، بنت عائده من مدرستها ، ام طفل يحاول ان يفلت من مصيره وهو ممسك ببعض الخبز لاهله ، ام كل العائلة ، ومن يفر منك لا يعرف اين المفر، يجرى كالمجذوب ،  تلعب به الرياح كالريشة فى الهواء .
كم كرهت هذه اليد المسمومة وهى تضغط على زنادي وهى لا تعرف كم ستقتل وكم سترعب من الناس ، عندى سؤال واحد فقط كيف تستطيع ان تعبد الله وقلبك يحمل كل هذا الكره للاخرين ومن ناس يعبدون الله كما تعبد ؟
- تتحدثين بكل براءة وكانك صنعتي وجبلتي على فعل الخير ، الم يتم صنعك للحرب والقتل ، الا تذكرى سبب وجودك للحياة من اجل هدف واحد هو القتل ، الم يحكوا لك عن ،، نوبل ،، الذى اخترع ما يحشو به حلقك لتدفعيه فى اجساد الناس لتنهى حياتهم ، منذ متى تتحدثين على الفضيلة وعن الانسانية ، ليس على ان اجيبك عن اسئلتك الحمقاء ، ولكن  دعينى  افهمك ان الكره جزء لا يتجزآ من عبادتنا ، الكره قرين العبادة عندنا ، وسيكون الله معنا فى نهاية الامر لنقيم دولة الخلافة ، الامارة الاسلامية العادلة .
- انت تعايرني بجدي ،، نوبل ،، لقد اخترع واحدة  من اسوء ما اخترعته البشرية ، لكنه ظل ما تبقى من عمرة يدفع الثمن ، ثمن فعلته هذه ، قبل ان يموت وبعد ان حقق ثرة كبيرة ، نشرت احدى الجرائد فى ستوكهولم نعى لوفاته عن طريق الخطئ ، وكان العنوان ،، تاجر الموت ميت ،، حينها شعر بجرم ما فعله وحزن كثيرا ، بعدها قرر ان يودع كل ثروته فى بنك ليوزع من ريعها خمسة جوائز لمن يقدم اختراع سلمى لخدمة البشرية ، ثم مات بسكته دماغيه ، ربما بسبب حزنه الكبير ، وفقد قبله اخوه الاصغر فى احدى تجاربه ، اما انتم ايديكم سوداء ، وافكاركم سوداء ، وقلوبكم سوداء ، تحملوننا على الاكتاف كاطفالكم الصغار ، وتسيرون بنا مختالين ، وعندما تقابلون صيدكم ، تنزلوننا من على الاكتاف ، موجهين فوهاتنا تجاه اول من تقابلونه ، حتى الصياد اشرف منكم ، هو يعمل ليصيد نوع واحد من الحيوانات ،اما انتم  لا تفرقون ابدا ، الجميع اعدائكم ،تقتلون وتفجرون بغباء ، تمطرون كل من تقابلوهم بوابل من النيران ، لا تفرقون بين طفل ولا امراة ولا عجوز ، املين ان تذهبوا من خلال فوهاتنا الى حور العين ، لا تشبعون من شرب دماء الابرياء ، لقد كرهتكم جميعا ، اتمنى ان يصيبنى العطب ان انتحر واصبح خردة مرمية على الطريق ، وان كان الكره قرين العبادة لديكم ، فلا فرق بين من يعمل من اجل الوطن ومن يعمل من اجل خرابه ، انكم لا تعبدون الله بهذا الكره ، ولكن تعبدون ذواتكم التى ملئها الكره والخراب.
- نظر الى بندقيته فى سخرية ليضرب بكل ماتقول حائط التفاهة والاستخفاف ظانا ان يعودها  لسيرتها  الاولى .. مهما تصطنعين الشرف ، نحن جزء واحد من الموت ، انا مامور بالقتال من اجل ما نرغب  ، ثم اامرك فتطيعين ، ان وانت جسد واحد ، حين اسقط تسقطين ، وحين ارفع راسي لاعلى مكبرا ، ترتفع ماسورتك الى اعلى ، اوجهك واضغط على زنادك فتقذفين ما بداخلك ، يخترق الجسد ويسقط على الارض ، وتشرب دماء هذا الكافر التراب ، لن تفهمى مهما حكيت لك الاجر والثواب ، لنقيم الشرع ، والامارة الاسلامية العادلة ، ليس باللسان ولا الكلمات .
-  العدل .. انتم لصوص الاوطان بسم الايمان ، وهل للصوص ان يتكلموا عن العدل ؟ ! العالم يسير ويتحضر بالكلمات ، ياكل ويشرب وينام ، ويود ان يحيا  ويتمنى ويختلف عبر الكلمات ، لا عبر فوهات البنادق ،ان حقائبكم مليئة بالاكاذيب عن الدين وعن العبادة  ، وعلى اية حال الكلمات هى ذاتها المعروفة منذ زمن بعيد ،قبل الارهاب وكره الاخر، لن تفهموا  انتم الكلمات ولا حوارها  ، انتم تفهموا فقط لغة الموت ، القتل ، الارهاب ،  وانا افهم نفس اللغة ، وسوف افاجئك بلغتك لغة القتل التى علموها لك منذ نعومة اظافرك ، لقد نسيت ان تؤمنني اليوم قبل ان تنام ، واى حركة ستصدر منك الان ستجد فواهتى تقذف بكل قوة ما فى احشائها داخل احشائك لتذوق طعم الموت .. بوووووم
عماد هلال  - مدينة نصر
١٢ يوليو ٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق