نحن ومراد وهبة وابن رشد .
أحمد عبدالمعطي حجازي
...............................
إذا كنا نعرف ابن رشد فسوف نعرف مراد وهبة. وإذا عرفنا مراد وهبة عرفنا أنفسنا.
وابن رشد كما يعرف الكثيرون فيلسوف عربى أندلسى، عاش فى القرن الثانى عشر الميلادى، ودرس الفقه والطب والفلسفة، وتولى القضاء فى إشبيلية وقرطبة. لكننا نعرفه ويعرفه العالم بفلسفته التى شرح فيها فلسفة أرسطو، وانتصر فيها للعقل، واحتكم له فى فهم النصوص الدينية، ولجأ فى ذلك إلى التأويل الذى يزول به ما يبدو أحياناً من تناقض بين ما يقوله النص وما نعرفه بعقولنا وتجاربنا. مثلاً، حين يتحدث القرآن الكريم عن يد الله أو عن عرشه أو عن سمعه وبصره فكيف نفهم المعنى المراد من هذه المفردات؟
لو أننا فهمناها بمعناها الظاهر شبهنا الله بمخلوقاته وجسدناه، وهو تعالى منزه عن الشبيه لا شريك له وليس كمثله شىء. فليس لله يد كالأيدى، وليس له عرش كالعروش، وإنما يد الله وسمعه وبصره وعرشه هى قدرته وعلمه وملكوته. وهذا هو المعنى الذى نصل إليه عن طريق التأويل، ونوفق فيه بين ما جاء فى النص وما يجب لله من تنزيه يثبته المنطق ويؤكده.
والتأويل كما يعرفه البلاغيون هو إخراج المعنى الذى يدل عليه اللفظ من الحقيقة إلى المجاز. فاليد كلمة تشير إلى هذا العضو الذى نمسك به الأشياء ونتمكن من الوصول إلى ما نريد، وهذه هى دلالتها الحقيقية التى ننتقل بها أو نجتاز إلى الدلالة المجازية، أى إلى الإشارة لفعل اليد ووظيفتها بدلاً من الإشارة إلى جسمها. وهذا المعنى المجازى هو المقصود من الآية الكريمة «يد الله فوق أيديهم» أى أن قدرته فوق كل قدرة. وهذه هى العقيدة التى نؤمن بها ونستطيع أن نبرهن على صحتها. والتفكير إذن لا يتعارض مع الإيمان. والفلسفة لا تتناقض مع الشريعة، لأن الحق لا يتناقض مع الحق كما يقول ابن رشد، فالشريعة حق لأنها معرفة منزلة. والفلسفة حق لأنها معرفة نصل إليها بعقولنا التى خلقها الله لنا، وأمرنا بأن نفكر بها وندبر أمورنا ونتأمل ونعتبر. فإن وجدنا فى النص الدينى ما لا يتفق مع العقل وجب علينا أن نؤوله أى نفهمه بالمعنى الذى لا يتعارض فيه الكلام مع ما نعرفه ونثق فى صحته، سواء أكان ذلك بالرجوع إلى مبادئ الشريعة ومقاصدها أو بما نعرفه عن طريق التجربة والخبرة أو بالاحتكام للعقل والمنطق.
هذا المنهج الذى وفق فيه ابن رشد بين الشريعة والفلسفة من شأنه أن يجعل العقل مرجعاً يحتكم له الجميع حين يختلفون فى فهم النصوص ومن شأنه أن يعترف للإنسان بمسؤوليته وجدارته بأن يختار ويفعل. وإذن فالإنسان فى فلسفة ابن رشد كائن حر لأنه كائن عاقل.
وإذا كان العقل هو مرجعنا فى فهم النصوص الدينية فهو مرجعنا أيضاً فى فهم الواقع ومعرفة الطبيعة واكتشاف قوانينها، وفى الاستفادة من التجارب والخبرات، وفى التصدى للمشاكل والعمل على حلها. وإذن فنحن بفلسفة ابن رشد ومنهجه مواطنون أحرار ولسنا قطعانا تخاف وتطمع وتطيع وتسمع كما أراد الفقهاء والأصوليون للمسلمين فى أيام ابن رشد أن يكونوا فتم لهم ما أرادوا لأن الاحتكام إلى العقل يحرر المؤمنين من سلطة رجال الدين ومن هنا وقف رجال الدين من العقل موقف العداء الصريح وشككوا فى قدراته واعتبروه خطراً يهدد الإيمان، كما اعتبره الحكام خطراً على الدولة، لأن الاعتراف بمرجعية العقل اعتراف بمرجعية أصحابه، وبالتالى نفى للمبدأ الذى يقوم عليه الطغيان، وهو عجز الرعية وحاجتها الدائمة إلى راع أو أب أو مستبد عادل يفكر لها ويختار بالنيابة عنها ويفرض عليها ما يراه وما يختاره. وبهذا الحلف الذى انعقد بين أمراء الأندلس وفقهائه سقط منهج ابن رشد، واتهم صاحبه بالكفر والزندقة، وأحرقت كتبه فى قرطبة، ونفى ابن رشد إلى قرية من القرى التى كان يسكنها يهود الأندلس تعبيراً عن أنه لم يعد مسلماً ولم يعد يستحق أن يعيش مع المسلمين!
وبسقوط منهج ابن رشد سقط العقل العربى وفقد ثقته فى نفسه، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان، ولم تمض على هذه المحنة التى دخلها ابن رشد إلا ثلاثة قرون انتهت بسقوط الأندلس كله من أقصاه إلى أقصاه ورحيل العرب والمسلمين والإسلام عنه، فى الوقت الذى كان فيه المثقفون الأوروبيون فى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا يكتشفون ابن رشد، ويترجمون مؤلفاته إلى العبرية واللاتينية، ويتأثرون بها، ويتحررون من سلطة الكنيسة ويحتكمون للعقل فى فهمهم للإنجيل، ويستعيدون علاقتهم بالفلسفة والمنطق، ويخرجون بالتالى من عصور الظلام إلى عصر النهضة الذى انتقلوا منه إلى عصر الاستنارة الذى انتهى بهم إلى هذا العصر الحديث، عصر الديمقراطية والعلم وحقوق الإنسان.
هل نكون بهذا الذى عرفناه عن ابن رشد قد عرفنا مراد وهبة؟ نعم والدليل على هذا أن مراد وهبة هو الذى عرفنا من جديد على ابن رشد. كنا بالطبع نعرفه كما يعرفه العالم كله. لكننا كنا نقرأ عنه ونقرأ له بوصفه تاريخاً أو تراثاً نعتز به. حتى اكتشف لنا عدد من الباحثين فى مقدمتهم مراد وهبة أن ابن رشد ليس مجرد ماض، وإنما هو حاضر حى مستعد لخوض المعركة إلى جانبنا قادر على كسبها لو أفلحنا فى استعادته وأفسحنا له الطريق، لأن معركتنا استمرار لمعركته مع الأصوليين. وقد بادر مراد وهبة فكتب قبل خمسة وثلاثين عاماً بحثاً عن ابن رشد ألقاه فى المؤتمر الدولى الأول للفلسفة الإسلامية، وانتهى فيه إلى المفارقة المتمثلة فى أن ابن رشد الفيلسوف العربى ميت فى بلاده حى فى الغرب. وقد أصدر مراد وهبة هذا البحث فى كتاب بديع سماه «مفارقة ابن رشد». ثم واصل اكتشافه فى المؤتمر الذى اقترح عقده تحت عنوان «ابن رشد والتنوير»، وبعد ذلك فى المؤتمر الذى أقيم احتفالاً بالذكرى المئوية الثامنة لرحيل ابن رشد.
وابن رشد ومراد وهبة شقيقان. يتكلمان لغة واحدة، وينتميان لثقافة مشتركة وتاريخ مشترك. ومع أن مراد وهبة بينه وبين ابن رشد ثمانية قرون، فالواقع الذى عاشه الفيلسوف المصرى شبيه جداً بالواقع الذى عاشه الفيلسوف الأندلسى. علوم الأوائل التي درسها ابن رشد، وهى علوم اليونان، درسها مراد وهبة. وكما اشتغل ابن رشد بشرح أرسطو اشتغل مراد بشرح يرجسون وكانط. وكما تصدى ابن رشد لفقهاء المالكية تصدى مراد وهبة للأصوليين وجماعات الإسلام السياسى. وكما نفى ابن رشد وأحرقت كتبه فصل مراد وهبة من عمله فى الجامعة ومنع من التدريس عامين. وكما سخر ابن رشد من الغزالى ورد على «تهافت الفلاسفة» بـ«تهافت التهافت» سخر مراد وهبة من الأصوليين وسماهم ملاك الحقيقة المطلقة وكشف عن خلطهم بين الحقائق والقوانين الثابتة وبين الظواهر والحوادث المتغيرة. وهو الخلط الذى يفسد الحياة كلها لأنه يصادرها ويجمدها ويفرض عليها ألا تتغير وألا تتطور، فكل شىء فى زعم الأصوليين معروف سلفاً، وكل جديد عندهم بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإذن فالقيد باق، والتخلف قدر، والتقدم مستحيل.
والحل؟
الحل هو التمييز بين المطلق والنسبى والفصل بينهما فصلاً يتحقق به الحوار بين الوسائل وبين المقاصد والغايات. وهذه هى العلمانية التى لا نستطيع بدونها أن نفكر فيما يتغير ويتطور، وأن نبحث عن القوانين التى تحكم المتغيرات، وأن نجرب ما نصل إليه من نتائج ونطبقها فيما نبتكره ونستخدمه من أدوات وآلات تتقدم بها حياتنا وترتقى فنخرج من الخرافة إلى العلم، ومن الطغيان إلى الديمقراطية، ومن ثقافة السمع والطاعة والإجماع المزيف إلى ثقافة الحرية وتبادل الرأى والاختلاف والحوار.
هل نكون بهذا الذى عرفناه عن مراد وهبة قد عرفنا أنفسنا؟
أحمد عبدالمعطي حجازي
...............................
إذا كنا نعرف ابن رشد فسوف نعرف مراد وهبة. وإذا عرفنا مراد وهبة عرفنا أنفسنا.
وابن رشد كما يعرف الكثيرون فيلسوف عربى أندلسى، عاش فى القرن الثانى عشر الميلادى، ودرس الفقه والطب والفلسفة، وتولى القضاء فى إشبيلية وقرطبة. لكننا نعرفه ويعرفه العالم بفلسفته التى شرح فيها فلسفة أرسطو، وانتصر فيها للعقل، واحتكم له فى فهم النصوص الدينية، ولجأ فى ذلك إلى التأويل الذى يزول به ما يبدو أحياناً من تناقض بين ما يقوله النص وما نعرفه بعقولنا وتجاربنا. مثلاً، حين يتحدث القرآن الكريم عن يد الله أو عن عرشه أو عن سمعه وبصره فكيف نفهم المعنى المراد من هذه المفردات؟
لو أننا فهمناها بمعناها الظاهر شبهنا الله بمخلوقاته وجسدناه، وهو تعالى منزه عن الشبيه لا شريك له وليس كمثله شىء. فليس لله يد كالأيدى، وليس له عرش كالعروش، وإنما يد الله وسمعه وبصره وعرشه هى قدرته وعلمه وملكوته. وهذا هو المعنى الذى نصل إليه عن طريق التأويل، ونوفق فيه بين ما جاء فى النص وما يجب لله من تنزيه يثبته المنطق ويؤكده.
والتأويل كما يعرفه البلاغيون هو إخراج المعنى الذى يدل عليه اللفظ من الحقيقة إلى المجاز. فاليد كلمة تشير إلى هذا العضو الذى نمسك به الأشياء ونتمكن من الوصول إلى ما نريد، وهذه هى دلالتها الحقيقية التى ننتقل بها أو نجتاز إلى الدلالة المجازية، أى إلى الإشارة لفعل اليد ووظيفتها بدلاً من الإشارة إلى جسمها. وهذا المعنى المجازى هو المقصود من الآية الكريمة «يد الله فوق أيديهم» أى أن قدرته فوق كل قدرة. وهذه هى العقيدة التى نؤمن بها ونستطيع أن نبرهن على صحتها. والتفكير إذن لا يتعارض مع الإيمان. والفلسفة لا تتناقض مع الشريعة، لأن الحق لا يتناقض مع الحق كما يقول ابن رشد، فالشريعة حق لأنها معرفة منزلة. والفلسفة حق لأنها معرفة نصل إليها بعقولنا التى خلقها الله لنا، وأمرنا بأن نفكر بها وندبر أمورنا ونتأمل ونعتبر. فإن وجدنا فى النص الدينى ما لا يتفق مع العقل وجب علينا أن نؤوله أى نفهمه بالمعنى الذى لا يتعارض فيه الكلام مع ما نعرفه ونثق فى صحته، سواء أكان ذلك بالرجوع إلى مبادئ الشريعة ومقاصدها أو بما نعرفه عن طريق التجربة والخبرة أو بالاحتكام للعقل والمنطق.
هذا المنهج الذى وفق فيه ابن رشد بين الشريعة والفلسفة من شأنه أن يجعل العقل مرجعاً يحتكم له الجميع حين يختلفون فى فهم النصوص ومن شأنه أن يعترف للإنسان بمسؤوليته وجدارته بأن يختار ويفعل. وإذن فالإنسان فى فلسفة ابن رشد كائن حر لأنه كائن عاقل.
وإذا كان العقل هو مرجعنا فى فهم النصوص الدينية فهو مرجعنا أيضاً فى فهم الواقع ومعرفة الطبيعة واكتشاف قوانينها، وفى الاستفادة من التجارب والخبرات، وفى التصدى للمشاكل والعمل على حلها. وإذن فنحن بفلسفة ابن رشد ومنهجه مواطنون أحرار ولسنا قطعانا تخاف وتطمع وتطيع وتسمع كما أراد الفقهاء والأصوليون للمسلمين فى أيام ابن رشد أن يكونوا فتم لهم ما أرادوا لأن الاحتكام إلى العقل يحرر المؤمنين من سلطة رجال الدين ومن هنا وقف رجال الدين من العقل موقف العداء الصريح وشككوا فى قدراته واعتبروه خطراً يهدد الإيمان، كما اعتبره الحكام خطراً على الدولة، لأن الاعتراف بمرجعية العقل اعتراف بمرجعية أصحابه، وبالتالى نفى للمبدأ الذى يقوم عليه الطغيان، وهو عجز الرعية وحاجتها الدائمة إلى راع أو أب أو مستبد عادل يفكر لها ويختار بالنيابة عنها ويفرض عليها ما يراه وما يختاره. وبهذا الحلف الذى انعقد بين أمراء الأندلس وفقهائه سقط منهج ابن رشد، واتهم صاحبه بالكفر والزندقة، وأحرقت كتبه فى قرطبة، ونفى ابن رشد إلى قرية من القرى التى كان يسكنها يهود الأندلس تعبيراً عن أنه لم يعد مسلماً ولم يعد يستحق أن يعيش مع المسلمين!
وبسقوط منهج ابن رشد سقط العقل العربى وفقد ثقته فى نفسه، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان، ولم تمض على هذه المحنة التى دخلها ابن رشد إلا ثلاثة قرون انتهت بسقوط الأندلس كله من أقصاه إلى أقصاه ورحيل العرب والمسلمين والإسلام عنه، فى الوقت الذى كان فيه المثقفون الأوروبيون فى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا يكتشفون ابن رشد، ويترجمون مؤلفاته إلى العبرية واللاتينية، ويتأثرون بها، ويتحررون من سلطة الكنيسة ويحتكمون للعقل فى فهمهم للإنجيل، ويستعيدون علاقتهم بالفلسفة والمنطق، ويخرجون بالتالى من عصور الظلام إلى عصر النهضة الذى انتقلوا منه إلى عصر الاستنارة الذى انتهى بهم إلى هذا العصر الحديث، عصر الديمقراطية والعلم وحقوق الإنسان.
هل نكون بهذا الذى عرفناه عن ابن رشد قد عرفنا مراد وهبة؟ نعم والدليل على هذا أن مراد وهبة هو الذى عرفنا من جديد على ابن رشد. كنا بالطبع نعرفه كما يعرفه العالم كله. لكننا كنا نقرأ عنه ونقرأ له بوصفه تاريخاً أو تراثاً نعتز به. حتى اكتشف لنا عدد من الباحثين فى مقدمتهم مراد وهبة أن ابن رشد ليس مجرد ماض، وإنما هو حاضر حى مستعد لخوض المعركة إلى جانبنا قادر على كسبها لو أفلحنا فى استعادته وأفسحنا له الطريق، لأن معركتنا استمرار لمعركته مع الأصوليين. وقد بادر مراد وهبة فكتب قبل خمسة وثلاثين عاماً بحثاً عن ابن رشد ألقاه فى المؤتمر الدولى الأول للفلسفة الإسلامية، وانتهى فيه إلى المفارقة المتمثلة فى أن ابن رشد الفيلسوف العربى ميت فى بلاده حى فى الغرب. وقد أصدر مراد وهبة هذا البحث فى كتاب بديع سماه «مفارقة ابن رشد». ثم واصل اكتشافه فى المؤتمر الذى اقترح عقده تحت عنوان «ابن رشد والتنوير»، وبعد ذلك فى المؤتمر الذى أقيم احتفالاً بالذكرى المئوية الثامنة لرحيل ابن رشد.
وابن رشد ومراد وهبة شقيقان. يتكلمان لغة واحدة، وينتميان لثقافة مشتركة وتاريخ مشترك. ومع أن مراد وهبة بينه وبين ابن رشد ثمانية قرون، فالواقع الذى عاشه الفيلسوف المصرى شبيه جداً بالواقع الذى عاشه الفيلسوف الأندلسى. علوم الأوائل التي درسها ابن رشد، وهى علوم اليونان، درسها مراد وهبة. وكما اشتغل ابن رشد بشرح أرسطو اشتغل مراد بشرح يرجسون وكانط. وكما تصدى ابن رشد لفقهاء المالكية تصدى مراد وهبة للأصوليين وجماعات الإسلام السياسى. وكما نفى ابن رشد وأحرقت كتبه فصل مراد وهبة من عمله فى الجامعة ومنع من التدريس عامين. وكما سخر ابن رشد من الغزالى ورد على «تهافت الفلاسفة» بـ«تهافت التهافت» سخر مراد وهبة من الأصوليين وسماهم ملاك الحقيقة المطلقة وكشف عن خلطهم بين الحقائق والقوانين الثابتة وبين الظواهر والحوادث المتغيرة. وهو الخلط الذى يفسد الحياة كلها لأنه يصادرها ويجمدها ويفرض عليها ألا تتغير وألا تتطور، فكل شىء فى زعم الأصوليين معروف سلفاً، وكل جديد عندهم بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإذن فالقيد باق، والتخلف قدر، والتقدم مستحيل.
والحل؟
الحل هو التمييز بين المطلق والنسبى والفصل بينهما فصلاً يتحقق به الحوار بين الوسائل وبين المقاصد والغايات. وهذه هى العلمانية التى لا نستطيع بدونها أن نفكر فيما يتغير ويتطور، وأن نبحث عن القوانين التى تحكم المتغيرات، وأن نجرب ما نصل إليه من نتائج ونطبقها فيما نبتكره ونستخدمه من أدوات وآلات تتقدم بها حياتنا وترتقى فنخرج من الخرافة إلى العلم، ومن الطغيان إلى الديمقراطية، ومن ثقافة السمع والطاعة والإجماع المزيف إلى ثقافة الحرية وتبادل الرأى والاختلاف والحوار.
هل نكون بهذا الذى عرفناه عن مراد وهبة قد عرفنا أنفسنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق