هل تذكر هذه القصيدة فى رسالتى تلك التى كنت قد أرسلتها إليك قبل ثورة 25 من يناير بعدة أيام.؟.. يومها لم تنشرها فى مدونتك .. ويا ليتك فعلت.! .. فهل تنشرها كلها الآن بما فيها من عتب عليك.؟

أدهشتنى هذه القصيدة/ الصرخة الملتاعة التى لم تزل تتردد بين جنبات ديوان " أغانى الحياة" لأبى القاسم الشابى .. وأنت تقرأ ، سيلح عليك السؤال دوما: فى أى شعب كانت تلك الصرخة المدوية.؟ .. ومن أولئك الخاملين الذين كان يستنهضهم ذلك الشاعر العليل.؟ ومن يا ترى كانوا أولئك النيام الذين كان يوقظهم أبو القاسم الشابى.؟

إقرأ معى .. لعلك تعرف.!

إلى الشعب

أين يا شعب ، قلبك الخافق الحساس أيـــــــــــن الطموح ، والأحــــــــــلام؟

أين يا شعب ، روحك الشاعر الفنـان أيـــــــــــــن ، الخيال والإلهـــــــــام.؟

أين يا شعب ، فنك، الساحر الخلاق؟ أيــــــــــــــن الرسوم والأنغــــــــــام.؟

إن يم الحياة يدوى حواليــــــــــــــك فـــــــــــــأين المغــــــامر ، المقــــدام

أيــــــــــــن عزم الحياة ؟ لا شئ إلا الموت، والصمت ، والأسى ، والظلام

عمر ميت ، وقلب خواء ودم ، لا تثيره الآلام

وحياة ، تنام فى ظلمة الوادى وتنمو من فوقها الأوهام

أى عيش هذا ، وأى حياة ؟ (رُبّ عيش أخف منح الحَمَام)

***

قد مشت حولك الفصول وغنتك فلم تبتهج ، ولم تترنم

ودوت فوقك العواصف والأنواء حتى أوشكت أن تتحطم

وأطافت بك الوحوش وناشتك فلم تضطرب ، ولم تتألم

يا إلهى ! أما تحس ؟ أما تشدو؟ أما تشتكى ؟ أما تتكلم ؟

ملّ نهر الزمان أيام الموتى وأنقاض عمرك المتهدم

أنت لا ميت فيبلى ، ولا حى فيمشى ، بل كائن ، ليس يُفهَمْ

أبداً يرمق الفراغ بطرف جامد ، لا يرى العوالم ، مظلم

أى سحر دهاك ! هل أنت مسحور شقى؟ أو مارد ، يتهكم ؟

***

آه ! بل أنت فى الشعوب عجوز ، فيلسوف ، محطم فى إهابه

مات شوق الشباب فى قلبه الذاوى، وعزم الحياة فى أعصابه

فمضى ، ينشد السلام .. بعيدا... فى "قبور الزمان" خلف هضابه

وهناك.. اصطفى البقاء مع الأموات ، فى "قبر أمسه" غير آبِهْ...

وارتضى القبر مسكنا ، تتلاشى فيه أيام عمره المتشابه

وتناسى الحياة ، والزمن الدّاوى وما كا من قديم رِغابه

فالزم القبر.. فهو بيت ، شبيه بك فى صمت قلبه ، وخرابهْ

واعبد "الأمس" واذكر صور الماضى فدنيا العجوز ذكرى شبابه

***

وإذا مرت الحياة حواليك جميلا ، كالزهر غضا صباها

تتغنى الحياة بالشوق والعزم فُيُحيى قلب الجماد غناها

والربيع الجميل يرقص فوق الورد والعشب ، منشدا ، تياها

ومشى الناس خلفها ، يتملون جمال الوجود فى مَرْاها

فاحذر السّحْرَ! أيها الناسك القديس ، إن الحياة يُغوى بهاها

والربيع الفنان شاعرها المفتون يُغرى بحبها وهواها

وتمل الجمال فى رِمَمِ الموتى..! بعيدا عن سحرها وصداها

وتغزّل بسحر أيامك الأولى ، وخّل الحياة تخطو خطاها

***

وإذا هبت الطيور مع الفجر ، تغنى بين المروج الجميلة

وتُحيّى الحياة ، والعالم الحى ، بصوت المحبة المعسولة

والفراش الجميل رفرف فى الروض يناجى زهوره المطلولة

وأفاق الوجود للعمل المجدى وللسعى ، والمعانى الجليلة

ومشى الناس فى الشعاب ، وفى الغاب ، وفوق المسالك المجهولة

ينشدون الجمال ، والنور ، والأفراح والمجد ، والحياة النبيلة

فاغضض الطرف فى الظلام لا يُوقظ الموتى ولا يرحم الجفون الكليلة

***

كل شئ يُعاطف العالم الحى ويذكى حياته ، ويفيده

والذى لا يجاوب الكون بالإحساس عبء على الوجود ، وجوده

كل شئ يساير الزمن الماشى بعزمٍ ، حتى التراب ، ودوده

كل شئ ـ إلاّك ـ حى عطوف يؤنس الكون شوقه ، ونشيده

فلماذا تعيش فى الكون يا صاح ! وما فيك من جنّى يستفيده

لستَ يا شيخ للحياة بأهلٍ أنت داء يبيدها وتبيده

أنت قفرٌ ، جهنمى لعين ، مظلم ، قاحل ، مريع جموده

لا ترف الحياة فيه ، فلا طير يغنى ، ولا سحاب يجوده

***

أنت يا كاهن الظلام حياة تعبد الموت.. ! أنت روح شقى

كافر بالحياة والنور.. لا يصغى إلى الكون قلبه الحجرى

أنت قلب ، لا شوق فيه ولا عزم وهذا داء الحياة الدّوى

أنت دنيا ، يظلها أفق الماضى وليل الكآبة الأبدى

مات فيها الزمان ، والكون إلا أمسها الغابر ، القديم ، القصى

والشقى الشقى فى الأرض قلب يومه ميت ، وماضيه حى

أنت لا شئ فى الوجود ، فغادره إلى الموت فهو عنك غنى

***

أنت لا شئ البته فى الوجود.!

أبدا لم تعد أى شى.!

مت إذا .. أو ابق كما أنت هكذا فوق مائدة اللئام.!

هكذا أرادوا لك .. فكن وأطع

أطع يا من لا تتغنى إلا بماضيك

وتترنم بمجد أجدادك.

أنت شقى منذ صرت تتغنى بشعر بنت أختك يا أيها الأقرع.!

أنت تكورت فى ركن بعيد بلا أحلام .. بلا أى طموح

صارت منى أمانيك أن تجد حبة طماطم يا أيها البليد.!

يا إلهى .. أما تحس؟ أما تشدو؟ أما تشتكى أما تتكلم؟

يا أيها الأخرس .. كيف أنت أخرس بينما لك لسان أطول من لسان البقرة.؟

أى عيش هذا.؟

وأى حياة.؟

أنت لا ميت ، ولا أنت حى.!

ملّ الزمان منك .. زهق .. طفش منك.!

برغم أنك عجوز.

وفيلسوف.!

إلا أنك كمن سحره أولاد الأفاعى..

فصرت تعمل لهم.

وصرت تكدح لهم.

ويوم ما تفكر تستأسد .. تعمل فيها أسد على إمرأتك الغلبانه

كتك خيبه.!

إلزم القبر يا خيبان.

"فهو بيت شبيه بك"

"أنت قفر ، جهنمى ، لعين ، مظلم ، أنت داء ، أنت قاحل..."

أنت لا لزوم لك.!

أنت لا شئ فى الوجود ، فالوجود غنى عنك .. فتفضل بمغادرته إلى الموت .. تفضل.!

استاذ عماد هلال..

انشر فى مدونتك ، هذه الصرخة التى صرخها الشاعر أبو القاسم الشابى فى ذلك الشعب الكسيح.! .. أنشر يا عماد .. أنشر

على عبد الباقى

{من قبل الثورة ومن بعدها}

تعليق من قبل المدونة


لم تصلنى هذه الرسالة من الصديق العزيز الذى يلومنى على عدم نشرها ، ولو كانت وصلتنى لنشرتها بالفعل فى حينها .. الغريب فى تلك الرسالة بما تتضمنه من قصيدة الشابى الرائعة أنها كما لو كانت تستنهض الشعب الذى كنا قد يئسنا منه ، فإذا بالشعب فى البلدين ( تونس ومصر) ينهضان فى ثورتين تطيحان برؤوس الفساد فى البلدين .. فما أبرع الأدب عندما يكون بوصلة للشعوب .. أليس كذلك.