دمعه فرح
في أحد الأيام خرج مينا من بيته متجهاً للكنيسة لأداء الصلاة وكان مينا شاباً أسمر اللون في مطلع العشرينات وكان يعمل في إحدى المحال التجارية لبيع الملابس، دخل مينا الكنيسة وبعدما انتهى من أداء الصلاة ذهب إلى صديقه أحمد ، ثم قال لنفسه "انتظر"... أحمد لن يكون في البيت هذا صوت آذان الظهر، سيكون فى الجامع، وفى طريقه للجامع قابل احد المتعصبين دينيا سأله الرجل عن اسمه قال" مينا" فاستنفر الرجل منه وذهب بعيدا عنه هامساً (كافر) ..لم يكترث مينا لكلامه.. لأنه يوميا ما يقابل تلك الكلمات (كافر, ده مش مسلم , نصراني) وذهب مينا الى الجامع وقابل أحمد وتبادلا السلام ..كان أحمد شابا خريج حقوق عاطل فى مطلع العشرينات وكان يساعد والده في اداره شئون المكتبة الخاصة بهم وكانا الصديقين اتفقا على أن يتناولا الطعام في أحد المطاعم الشعبية وعندما ذهبوا إلى للمطعم شاهد" مينا " واحد من أصدقائه هناك فذهب ليسلم عليه وتبادلا التحية ثم سأله صديقه من الذي معك..؟ (ده أحمد صاحبي أصحاب إيه..! ده إحنا أخوات ) فقال له (أنت بتصاحب مسلمين !! ) رد (عادى) الأن كان " مينا "مضطربا لأنه يخشى أن يكون أحمد قد سمع صديقه الذى استأذنه مينا وجلس مع أحمد فسأله (صايم برده ) فرد مينا : أكيد ..
طلب حمد ساندويتشين واحد فول وآخر بطاطس لمينا وعندما انتهوا من الأكل اخرج أحمد أخر ثلاثة جنيهات من جيبيه وحاسب على الطعام ..قال : مينا (هعزمك على حاجه ساقعه ) وافق وإثناء الشرب سأل أحمد هتروح المظاهرات بكره ؟ رد مينا أكيد بس يا رب ننجح زى تونس قال : أحمد يا رب.. وحاسب مينا وقال يلا نرجع للبيت ، وافق أحمد وبعد ماوصل احمد مينا عاد الى منزله ..سلم على والدته وقبل يدها قائلا " ادعي لى" فردت قائله: يا رب ..ذهب الى والده وقال " يا حاج " هتنزل معانا بكره المظاهرة فرد عليه (يا بنى انزل مظاهرات ايه بس.. انزل انت افتح المحل خلينا نقدر ندبر أكلنا ) لم يهتم أحمد حيث أنه كان عازم على الأمر وصلى العشاء ونام.. وفى الصباح ظل مينا ينادى على أحمد من تحت البلكونه متوجسا أن يكون والديه نائمين ..استيقظ احمد ورد على صديقه قائلا له" يلا خلينا نلحق " لبس أحمد سريعا ..وهو نازل قبل ايد والدته مرة أخرى قائلا لها "ادعى لنا يا امى و متزعليش ابدا.. انى نازل.. بس لو هيعتصموا انا هعتصم معهم "فردت والته قائله " يا بنى مش كفايه انك هتنزل ،هتعتصم كمان ..!.بلاش يا أحمد أنا مش مطمنه" رد عليها متقلقيش وكملت والدته كلامها له :خلى بالك على مينا.. فسمع صوت مينا ينادى عليه فقاله حاضر خلاص هنزل " وقال السلام عليكم ونزل بسرعه ومشي ممسك يد مينا متجها الى المظاهرات ومر يوم25 يناير على خير لكن أحمد صمم على أن يعتصم ومينا كان رافض لتلك الفكرة، لكن أحمد أقنعه بعد حوار قصير حتى قال مينا (خلاص زى ما بدينها ننهيها ).. وفى يوم جمعه الغضب كان مينا وأحمد يهتفون معا "سلميه, سلميه" ومعهم مئات الألاف من المواطنين خرجت رصاصه من شرطى أتى له أمر بضرب الرصاص على المتظاهرين فإذا برصاصه تشق قلب احمد وفاجأ مينا بسقوط احمد جلس بجواره واستمر فى الصراخ قائلا "أحمد اخويا مات " واستمرت دمعاته وقال الشباب " شيلوهم بسرعه " ، كان مينا غير حاضر ذهنيا و شريط ذكرياته مع أحمد يسرد أمامه يشاركه فى الحلوة والمرة كان يقف بجانبه فى كل لحظة ضيق وفرح متذكراً ابتسامته وبكاءه وحزنه حتى فقد وعيه ولم يشعر بما حوله فى الميدان.. و استيقظ وجود نفسه فى إحدى المستشفيات الحكومية فصرخ قائلا : أحمد فين.. أحمد فين ؟ فرد والده فى المشرحة عاد مينا للبكاء مرة أخرى منهارا غير مصدق لما حدث لم يستطيع أن يمنع نفسه من البكاء وكان عنده إحساس انه يستطيع بدموعه ان يروي النيل إذا جف وفى اليوم الثانى هرب مينا وكتب رسالة لوالديه فى ورقه تركها على السرير وذهب وهو يقول " حق احمد مش هيضيع " واستمر فى الهتاف " الشعب يريد إسقاط النظام " ظل يهتف ضد نظام مستبد قتل أخوه وسرق ونهب وظلم ودمر التعليم والصحة ..ووسط مئات من الجثث فى ميدان التحرير والآلاف من المصابين ووسط الجيش المتفرج الذي تعهد بحماية الثورة والثوار أصيب " مينا " بطلقة من القناصة
كان يشعر بداخله بفرحه انه حقق شئ وساعد على حرية بلد منهوب
وتوفى مينا وفوجأ والديه بجثته فى المشرحة بعدما صدموا برسالته صباح اليوم يوصى فيها.. ( ادفن جنب احمد )
قصة تأليف
محمد عماد الدين عبد الحكيم