وسائط إتصال الطفل بالتراث الشعبى
نظراً لما يكتسبه الطفل من معلومات وعادات وتقاليد ومعتقدات وقيم وإتجاهات من خلال الموروث الشعبى فيجب علينا إلقاء نظرة على وسائط الإ تصال بهذا الموروث الشعبى الهائل الذى تمتلك منطقتنا العربية الكم الأكبر من هذا المخزون .
فلقد اتفق علماء الأساطير والفولكلورعلى تقسم قارة أسيا الى خمس مناطق متجانسة التراث أقربها الينا : منطقة الفولكلور والأساطير الأرية وتضم الهند وفارس – ايران – (1)
مما جعل مصر والمنطقة العربية غنية بالحكايات والقصص الشعبية من سير وملاحم عن طريق وسائل اتصال متتعدة أثرت وجدان الكبير والصغير على السواء خاصة قبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة من جريد وكتب وتلفزيون وغيرها .
ومن هنا ىأسمح لنفسى أن أدلف – على استحياء – فى محاولة القاء الضوء على بعض وسائط اتصال الطفل بالتراث الشعبى خاصة ما اختفى منها ولم يتح لأطفالنا فى هذا العصر التعرف عليه .
1. الأسرة : وتعد الأسرة من أهم وسائط الإتصال التى تعمل على توصيل التراث الشعبى للطفل بطريقة غير مباشرة عن طريق الألغاز والأمثال والفنون والحكايات والألعاب الشعبية ، وقد يشترك فى ذلك الأقارب والأصدقاء .
وتعد الأسرة فى الريف هى أكثر الفئات حرصاً على الإحتفاظ بكل ما يمت بصلة للتراث الشعبى ، ويتجلى ذلك من خلال مايمارسه أفرادها من عادات وتقاليد فى المناسبات من أفراح وأحزان بصفه عامه. (2)
وفى السابق كان طفلنا يتغذى من وسائط عديدة مؤثرة ومزلنا نذكر ذلك الطفل الذى كان يجرى بمجرد أن يسمع الحاكى ينادى " بزمارته " فى الحوارى والأزقة ويتجمع طفلنا مع أطفال الحى ليشاهدوا قصص الأنبياء ،والقصص الشعبية من الزير سالم وعنترة وعزيزة ويونس من خلال صندوق الدنيا.
2. صندوق الدنيا : لا يعرف أحد تاريخ نشأة أو موطنه بالرغم من إنتشاره الواسع على طول عالمنا العربى. (3)
وهوعبارة عن صندوق خشبى مفرغ وفى مقدمته عدد من العدسات تصل الى خمسه ، وبداخله بكرة يلف عليها مجموعة من الصور الملونه تتصل بمقبض باليد وتقوم العدسات بتكبيرها ويقوم الحاكى أو صاحب الصندوق بالشرح والتعليق على القصص(4) ويجلس الأطفال على الدكة المصاحبة للصندوق وتسع من ثلاثة الى خمسة أطفال يضعون رأسهم داخل الستارة السوداء التى تحجب الضوء ويتفرجون على قصص مثل عزيزة ويونس و قصص البطولات مثل عنترة أو عن طاعة الوالدين
أو بعض الجولات السياحية والدينية التى لم يشاهدوها من قبل مثل مساجد السيدة زينب او حى الحسين .
وكانت هذه القصص تحث الأطفال على تمجيد البطولات ، وطاعة الوالدين.
وصندوق الدنيا هو أقرب الى الأفلام التسجلية القصيرة حيث الصور الملونة تتحرك من خلال مقبض اليد وصوت المعلق يعلق عليها وكانت هذه الصور والحكايات تجذب الأطفال وتبث فيهم قيم عظيمة.
وللأسف الشديد إختفى هذا الفن الجميل بالرغم من أهميتة .
3. خيال الظل : هذا الفن الشعبى يرجع الى بداية القرن الماضى وكان يعرض فى حفلات العرس والختان والموالد ويحتاج هذا الفن الى مكان محكم ومظلم لإستخدامه الصورة والضوء معاً ، حيث تتحرك الشخوص المصنوعة من مواد مختلفة خلف ستارة بيضاء وشفافة بواسطة لاعبين ويقوم بإظهارهم مصباح قوى مسلط عليهم من الخلف ، وقد ساهم هذا الفن فى تقديم العديد من العروض للصغار والكبار معاً وكان دوره عظيم فى الحياة الإجتماعية ( 5) ..وللأسف الشديد إ ختفى هذا الفن الشعبي ولا نراه الا من خلال بعض العروض المسرحية .
4. الأرجوز :فن شعبى أصيل جمهوره من الأطفال ويعتمد على العرائس التى يحركها اللاعب من خلف " البرفان " ، وشخصية الأرجوز ساخرة وذكية لا يستطيع أحد أن يخدعه ودائماً ينتصر فى النهاية ( 6) ، وكان يقدم فنونه فى المواسم والأعياد والموالد وأخيراً فى المدارس ، والأرجوز وسيلة إتصال بين عالم الطفل الداخلى وعالمه الخارجى و يعمل على إشباع غريزة التقمص عند الطفل (7) ، وفن الأرجوز يمتاز بالسهولة فى عرضه حيث لا يحتاج الا لشخص واحد يحرك العرايس بيديه خلف البرفان و يجعل لكل عروسة صوت يميزها ويعطيها شخصية ، أما عروسة الأرجوز التى كانت تشبه فى بعض الأحيان شخصية الفنان الشعبى شكوكو والطرطور المعروف به على رأسه و بجلبابه البلدى المربوط من الوسط وفى يده العصا التى يستخدمها فى الرقص وضرب العرائس الأخرى وصوت عروسة الأرجوز مميزعن باقى العرايس حيث كان لاعب الأرجوز يضع فى فمه بالقرب من الحلق قطعة صفيح فيخرج صوت الأرجوز أقرب الى الصفير مما يشد أذن الأطفال ، ودائما ما كان يقدم فنه فى شكل كوميدى يضحك الكبار والصغار معاً ، ومن العجيب أن نرى الأرجوز يعرض للأطفال فى محلات الوجبات السريعة الأمريكية فى القاهرة بعرائس مختلفة ، ويحرم منه الأطفال فى الأحياء الشعبية.
5السامر : حفل مسرحى يقام فى المناسبات الخاصة مثل الأفراح والموالد وليالى الحصاد و ليالى السمر فى الصيف ، وتذهب الفرقة الى المناسبة وتعرض فقراتها فى مكان مناسب فى القرية " الجرن " مثلاً ويجلس أهل القرية فى نصف دائرة وفى المنتصف عمود يعلق عليه الكلوبات ويظل السامر منصوب حتى الفجر
والسامر فن إرتجالى ، والحكايات فيه من الحياة اليومية وتجسيد بعض الشخصيات العامة مثل العمدة وشيخ الغفر، ومن أشهر شخصيات السامر شخصية " فرفور " بملابس البلياتشو المميزة و "الفرقلة " فى يده ، وأيضاً شخصية حنفى التى كانت تمثل الشخصية النسائية ( 8 ) ، وكانت التمثلية فى فن السامر من فصل واحد وتسمى الأفصال تتضمن النكات والتمثيل والغناء المصاحب للدفوف والمزمار البلدى والربابة ، وقد حكيى عن هذا الفن أن فريق إ نجليزى من الباحثين عن الأثار فى صعيد مصر بعد إنتهاء العمل فى الصحراء أتى إليهم جوقة السامر وعرضت فنها أمامهم مما جعلهم يسهرون معها حتى الفجر وتوقف العمل فى اليوم التالى من شدة إعجابهم بهذا الفن المسرحى الإرتجالى الجميل، وربمالا يزال هذا الفن يقدم فى بعض قرى الصعيد حتى الأن.
6 . الحاوى : وسيلة تسلية للصغار والكبار ويعتمد على ألعاب الحواة من خفة اليد واللعب مع الثعابين والقيد بالسلاسل والقيام بفكها بقوته ، والحاوى كان يزور المدن والقرى فى الأعياد والموالد الشعبية لعرض فنه أمام الصغار والكبار ( 9 ) من القفز خلال حلقة يحيطها النار أو اللعب بورق الكوتشينة ، وحين تطور سمى الساحر وكان يزور المدارس ثم أنحصر دوره ليصبح فقرة مستقلة من فقرات السيرك .
7. القرداتى : فرجة شعبية performance
ما يقدمه القرداتى عمل أقرب الى السيرك أو هو النشئة الأولى لفن السيرك وربما يكون له علاقة بنشئة الانسان الأولى مع الحيوانات التى إستطاع أن يوظفها فى ترويض الحيوانات .
ويقول المستشرق " لين " أن الأطفال من الطبقات الدنيا من المجتمع فى ذلك الوقت كانوا يتسلون بما يقدمه القرداتى من ألعاب القرد والتى كان يعرضها فى الميادين والحوارى وكان يلبس القرد ملابس العروسة أو إمرأة فى شكل مميز ويضرب له على الدف والقرد يرقص بالعصا أو يقلد عجين الفلاحة أو نوم العازب حيث يتقلب يميناً ويساراً أو يختار أجمل الفتايات فى الحلقة فيتوجه إليها ويضع فمه عند فمها . ( 10 )
وقد إختفى دور القرداتى حيث لا نشاهده إلا من خلال عروض السيرك .
8. المداحين والحكواتية : على سبيل المثل لنا أن نتصور أن عمر اللانتقال الى الاعلام الالكترونى لم يتعد حلقة ونصف قرن، وقبلها الغلبة الى النص الشفهى وذيوعه عن طريق أدواته وهم الحكواتية ورواة السير والملاحم وفنانى الأفصال او القصص المضحكة أو ما أطلق عليهم د. لويس عوض مسرح الفلاحين ( 11 )
والمدحين والحكواتية كانوا يؤدون الملاحم والقصص الدينية فى قالب موسيقى ، فهناك مساحات شعرية ومومسيقية للجوقة والكورس ، ومساحات لكل شخصية منفردة على حدة من شخصيات الملحمة ( 12 )
وكان من أغراض الملحمة الاحتفال بالاعياد الدينية وموالد أولياء الله الصالحين وينشدون ملاحم الملك سيف بن ذى يزن وعنترة وخلافه من الملاحم .
وهذ الفن أصبح مهدد بالاندثار وفرقة المدحين تقلصت الى ثلاثة او اربع مدحين وعازفين على أقصى حد وبالتالى لم يعد المجال يتسع لاحتفاظ أبطال الملاحمة وشخوصها بأداء أدوارهم منفردة.
9. حلقات الذكر : عبارة عن تجمع من الدراويش يجلسون وأمامهم المنشد ينشد لهم قصص دينية مثل سارة وهاجر أو قصة النبى موسى ورميه فى اليم وعند لحظة معينة يقفون فى صف و المنشد أمامهم ويأخذون فى الميل بجزعهم يساراً ويميناً فى اندماج مع القصة التى غالباً ما تكون مؤثرة فيحدث الأنين والبكاء من بعضهم كنوع من التطهر وغسل الذنوب .
10. وسائط فنية حديثة : وهذه الوسائط من جرائد ومجلات وراديو وتلفزيون وسينما وأفلام كرتون وقصص وكتب أطفال ، ومسرح طفل ومسرح عرائس جميعها تشترك فى نقل الموروث الشعبى من خلال معالجات حديثة للقصص والحكايات التراثية مثل ألف ليلة وليلة ، والشاطر حسن والحكايات التراثية العربية المتفرقة.
· الحفاظ على هذا التراث
بالرغم من أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أصدرت إتفاقية بشأن حماية التراث الثقافى الغير مادى ( باريس 17 أكتوبر 2003 ) وأن كل هذه الوسائط الثقافية وغيرها من مداحين ، وحفلات تحضير العروسين قبل ليلة الزواج وبعد ليلة الدخلة " العراسة " وحفلات السبوع
والختان والتحطيب وألعاب الأطفال الفكلورية من عسكر وحرمية وخلافه
تقع تحت هذه الاتفاقية وأن معطم هذه الثقافات زالت أو فى طريقها للزوال
وحيث ان الغالب الأعم من الوسائط الحديثة يحيلنا الى قضية الغزو الثقافى ومحاولة ثقافة بعينها الى إحراز إنتصارات على ثقافات أخرى عبر ما تسعى اليه من تشكيل العقول أو تضليلها بأفلام القوة كأفلام السوبر مان والبات مان وسلاحف النينجا وأميرات ديزنى عبر قنوات نيكالودين وغيرها من القنوات الفضائية فلم تتحرك أى من الجهات لتفعيل الاتفاقية والاستفاده منها فى المحافطة على هذا الارث الثقافى الضخم الذى شكل عقولنا وعقول مبدعينا العظام فى وقت من الأوقات .
عماد عبد الحكيم
المراجع
( 1) راجع شوقى عبد الحكيم - مدخل لدراسة الفولكلور والأساطير العربية
( 2) راجع محمد الجوهرى – عالم الفولكلور
(3) راجع محمد فوزى عبد المقصود – الثراث الشعبى وتربة الطفل – دراسة تحليلية
(4) راجع عادل العليمى –الدراما الشعبية
(5) راجع عبد الحميد يونس – خيال الظل والتماثيل المصورة عند العرب
(6) راجع جوزيف هوللر – مسرح العرائس
(7) راجع هادى نعمان الهيتى – أدب الطفل
(8) راجع سيد محمد على – المسرح الشعبى الارتجالى
(9) راجع ادورد وليم لين –المصريون المحدثون – ترجمة – عدلى طاهر نور
(10) راجع مصدر سابق
(11)راجع شوقى عبد الحكيم – مرجع سابق
(12)مرجع سابق – شوقى عبد الحكيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق